لماذا الاختلاف فی الوضوء و من هووراآ الکوالیس؟

اشارة

سرشناسه : شهرستانی، علی

عنوان و نام پديدآور : لماذا الاختلاف فی الوضوء و من هووراآ الکوالیس؟/ تالیف علی الشهرستانی؛ تلخیص و ترتیب قیس العطار.

مشخصات نشر : تهران : مشعر، 1384.

مشخصات ظاهری : 102 ص.

شابک : 6000 ریال:964-7635-77-x

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

یادداشت : کتابنامه: ص. 102 - 93؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : وصف -- تاریخ.

موضوع : وضو -- احادیث.

موضوع : شیعه -- دفاعیه ها و ردیه ها.

موضوع : اهل سنت -- دفاعیه ها و ردیه ها.

شناسه افزوده : عطار، قیس

شناسه افزوده : Attar, Qays

رده بندی کنگره : BP185/5/ش9ل8 1384

رده بندی دیویی : 297/352

شماره کتابشناسی ملی : م 84-2339

ص:1

اشارة

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص: 6

المدخل

لِماذَا الا خْتِلافُ فِي الْوُضُوءِ وَمَنْ هُوَ وَراءُ الْكَوالِيسِ؟

ص: 7

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السلام على محمّد و آله الطّيبين الطّاهرين.

و بعد، فإنّ هذا الكتيّب الماثل بين يدك عزيزي القارئ هو الأوّل من سلسلة «بحوث في الوضوء النبوي»، و هو خلاصةٌ لبحث ضخم تناول فيه مؤلفه الاستاذ السيّد علي الشهرستاني من الزاوية التاريخية و ملابسات الأحداث، سرّ الإختلاف الواقع بين المسلمين اليوم في الوضوء النبوي، مع أنّ المفروض أن لا يقع مثل هذا الاختلاف في مفردة مثل الوضوء الذي نصّ عليه القرآن المجيد بقوله تعالى «يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وَ أَيدِيَكُم إلَى المَرَافِقِ وَ امسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَ أَرجُلَكُم إلَى الكَعبَينِ» (1) 1، كما أنّ الرسول الأكرم محمّداً صلى الله عليه و آله بيّن أحكامه و فروضه و كيفيته و نواقضه و موجباته أحسن بيان، و مارَسَ صلى الله عليه و آله فعله أمام أنظار المسلمين مدة مديدة من حياته الشريفة، كما مارسه المسلمون بتعليمه صلى الله عليه و آله.

و خلال مراحل من البحث فقد عثر المؤلف على نصّين في أنّ الاختلاف في الوضوء وقع في عهد عثمان بن عفّان، و أكّد ذلك بأنّ السبر التاريخي دلّ على عدم وجود اختلاف في الوضوء قبل هذا الزمان، لافي زمان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و لا في عهد الشيخين.

بعد ذلك تبين له أنّ عثمان بن عفّان كان هو البادئ بالخلاف، الطارح لفكرة الوضوء الجديد، و ذلك من خلال اختلافه مع كبار الصحابة في كثير من الأحكام الفقهية، مضافاً إلى اختلافه معهم في الأحكام السياسية


1- المائدة: 6

ص: 8

و الإدارية، خصوصاً في الستّ الأواخر من سنيّ عهده، و لذلك ترى عثمان يتجاهل المخالفين لوضوئه مع أنّهم من المحدثين عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و ذلك بقوله «

يتحدثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأحاديث لا أدري ماهي إلّاأني رأيت رسول اللَّه توضّأ...

» ثمّ يسوق وضوءه الثلاثي الغسلي. و هو في كل ذلك يتصرف تصرُّف المتّهم الباحث عن الشهود، فيستشهد على وضوئه جماعات من أصحابه، و يذيّل وضوءاته بالضحك و التبسم، و يدعو الناس إليه، و يقعد في أماكن حساسة لنشره.

و قد أوقفتنا تلك البحوث على ماهية الناس المختلفين مع عثمان في وضوئه و في باقي آرائه، و عرفنا أنّهم من المحدّثين و من عليّة الصحابة و كبارهم، كما دلّت الحوادث على أن مقتل عثمان كان بسبب إحداثاته الدينية بالدرجة الأولى لا لسوء تصرفاته المالية و الإدارية و السياسية.

و بما أنّ أصل هذا الكتاب لاقى ترحيباً و إقبالًا واسعاً من القراء الكرام، فنفدت طبعاته الخمس في مدة خمس سنوات، و طلب منّا بعض الأخوة الأفاضل و القراء الكرام تلخيصه و ترتيبه و إعطاء لُبّ لبابه مختصراً، تسهيلًا على المطالع، و تقريباً للمتناول، رأينا أن نستجيب لرغبتهم، فاستعنّا باللَّه وقمنا بتلخيصه و ترتيبه خدمة للدين و العلم و الفكر، فإن أشكل أو غمض مطلب على القارئ كان بوسعه مراجعة أصل الكتاب للوقوف على صورة أوضح.

بعد هذا نرجو من اللَّه تبارك و تعالى أن ينفعنا به وينفع الإسلام و المسلمين، للتقدم إلى الأمام و عدم الجمود على قوالب صيغت في العصور المتقدمة تحت ظروف خاصة و ملابسات كثيرة أرادت أن تميت الحقيقة النابضة الحية.

قيس العطار

ص: 9

المقدّمة

انقسم المسلمون بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى نهجين، لكلّ منهما منحاهُ ومبناه.

فالبعض من الصحابة كان يدعو إلى لزوم استقاء الأحكام من القرآن والسنة المطهرة ولا يرتضي الرأي والاجتهاد قباله، والبعض الآخر كان يذهب إلى شرعية قول الرجال، وصحة الاجتهاد قبال النص، لأنّهم قد عرفوا ملاكات الأحكام وروح التشريع!

وقد انتهجت الطائفة الأولى منهاج الطاعة والامتثال لمطلق الأحكام الصادرة عن اللَّه ورسوله، و هؤلاء كانوا لا يسمحون لأنفسهم- ولا لغيرهم- العمل في الأحكام الشرعية بآراء شخصية واجتهادات غير مأخوذة من النص.

ص: 10

أما الطائفة الثانية- فهي طائفة المجتهدين (1) 2- الذين كانوا يفتون بالرأي في محضره صلى الله عليه و آله، ويبتغون المصلحة مع وجود النص، وهؤلاء وإن كانوا معتقدين برسالة الرسول لكنهم لم يعطوه تلك القدسية والمكانة التي منحها اللَّه إياه، فكانوا- في كثير من الأحيان- يتعاملون معه كأنه بشر غير كامل يخطئ ويصيب، ويسبّ ويلعن ثم يطلب المغفرة للملعونين (2) 3.

وهذا الانقسام بين الصحابة كان من جملة الأسباب التي أدت لاختلاف المسلمين في الأحكام الشرعية بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وقد كان هذا الانقسام منطوياً على علل أخرى كثيرة ستقف على بعضها في بحوثنا الآتية.

بلى، إنّ دعاة الاجتهاد استدلوا على شرعية هذا الاختلاف بقوله صلى الله عليه و آله:

(اختلاف أمتي رحمة) (3) 4، لكن أحقاً أن (اختلاف أمتي رحمة) بالمعنى الذي


1- الاجتهاد الذي نهى عنه اللَّه و رسوله و أئمة أهل البيت هو بمعنى الإفتاء بالرأي- و بمثل القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و ما شابهها- مع ترك النصوص القرآنية و النبوية أو التلاعب بمفاهيمها
2- انظر صحيح مسلم 4: 2008/ 90، مسند أحمد 2: 316- 317، 449، 3: 400
3- شرح النووي على صحيح مسلم 11: 91، الجامع الصغير للسيوطي 1: 48. و قال المناوي في فيض القدير 1: 209: لم أقف له على سندٍ صحيح. و في كنز العمال 10: 136/ ح 28686 ذكره ثم قال: «نصر المقدسي في الحجة، و البيهقي في رسالة الأشعرية بغير سند، و أورده الحليمي و القاضي حسين و إمام الحرمين و غيرهم، و لَعَلَّهُ خُرِّج به في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا»!! و قد صحّ إسناد هذا الحديث عند أهل البيت و فسّره الإمام الصادق بأن المراد اختلافهم في البلدان بعد تفقّههم لينذروا الناس و يعلموهم الأحكام. انظر: علل الشرايع 1: 85، و معاني الأخبار: 157 فانظر كيف يأخذون به مع عدم صحة اسناده عندهم

ص: 11

أريد أن يفسَّر به؟ أم أنّ له معنى آخر؟ ولو صح ذلك فكيف نفسر قوله صلى الله عليه و آله: (لا تفترقوا فتهكلوا) (1) 5، وقوله: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة ناجية والباقون في النار) (2)

ولماذا يكون الاختلاف بين المسلمين إلى هذا الحد، وكتابهم واحد، ونبيّهم واحد؟

فترى هذا يسدل يديه في الصلاة والآخر يقبضهما، والثاني يُفرّج بين رجليه في الصلاة والآخر يجمع بينهما، والثالث يغسل رجليه في الوضوء والآخر يمسحهما، والرابع يجهر بالبسملة والآخر لا ينطق بها مجهورة، وهذا يقول بالتأمين وذلك لا يقول به. والعجيب أ نّهم جميعاً ينسبون أقوالهم


1- المصنف لابن أبي شيبة 8: 161/ ح 27
2- انظر الحديث بألفاظ متقاربة و معنى واحد في: تحفة الاحوذي 7: 333، المعجم الكبير للطبراني 18: 51، كنز العمال 1: 377/ ح 1637، شواهد التنزيل 1: 270، تفسير القرطبي 2: 9. و في مستدرك الحاكم النيسابوري 3: 547 بسنده عن عوف بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ستفترق امتي على بضع و سبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيحرمون الحلال و يحللون الحرام. و هو في المحلى لابن حزم 1: 62، و المستدرك للحاكم ايضاً 4: 430، و مجمع الزوائد 1: 179، و المعجم الكبير للطبراني 18: 51، و مسند الشاميين 2: 143

ص: 12

وأفعالهم- على ما فيها من تضارب ظاهر- إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله!

أفيكون رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد قالها جميعاً، أو فعلها جميعاً، و صحّ عنه النقلان- أو النقول كلّها- كما يقولون؟! أم أنّ فعله كان واحداً في كلّ هذه الحالات؟!

وإذا كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الاختلاف الذي يعسر دفعه وإنكاره؟! أترانا مكلّفين في شريعة اللَّه أن نقف على الرأي الواحد، أم أنّا قد أُمرنا بالاختلاف؟! بل بمَ يمكن تفسير ظاهرة اختلاف النقل عن الصحابي الواحد؟!

ولِمَ ظهرت رؤيتان في الشريعة، إحداهما تدعو إلى التعددية، والأُخرى تنادي بالوحدوية؟!

فلو كانت التعدديّة هي مطلوب الشارع، فلِمَ حصر النبي صلى الله عليه و آله الفرقة الناجية من أُمته بواحدة من الثلاث والسبعين وقال في الباقي أ نّها في النار؟!!

ألم يُلزَمْ على التفسير السابق القول: الجميع ناجية وواحدة في النار؟!! بل لا يبقى مجال لافتراض حتى فرقة واحدة في النار!!!

وإذا كانت الوحدوية هي مطلوب الشارع، فلِمَ تصحَّح التعددية وتلتزم؟! وهل يصح ما قيل في اختلاف الأمة باعتباره رحمة؟ وما معنى تأكيده سبحانه على وحدة الكلمة إِذَن؟!

ولو كانت الفُرقة هي مطلوب الشارع، فماذا يعني قوله تعالى: «ولو

ص: 13

كانَ من عِندِ غَيرِ اللَّه لِوَجَدُوا فيه اختِلافاً كثيراً» (1) 7، وكذا قوله: «أنّ هَذا صِراطي مُستَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عن سَبِيلِه، ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ» (2) 8.

إن القول بالتعددية أو الإيمان بالوحدوية يرجع- في نظرنا- إلى ما عزوناه من أسباب في انقسام المسلمين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وأهمها انقسامهم إلى نهجين رئيسيَّين:

1- نهج التعبّد المحض/ الوحدويّة.

2- نهج الاجتهاد والرأي/ التعدّديّة.

وقد فصّلنا الحديث عن هذين النهجين في دراستنا لأسباب منع تدوين الحديث، موضحين فيه جذور الرأي والاجتهاد عند العرب قبل الإسلام، وتصوّراتهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكيفية تعاملهم معه كأ نّه شخص عادي يخطئُ ويصيب، ويقول في الغضب ما لا يقوله في الرضا، بل وحسب فهم بعضهم، ما هو إلّاسلطانٌ جاهد فانتصر، وإنّ تعاليمه ما هي إلّا مقرّرات أصدرها من عند نفسه ولم يُنزل اللَّه سبحانه فيها شيئاً.

والإسلام- ولكي يوحّد الأُمة- جاء بشهادة (أن لا إله إلّااللَّه، وأنّ


1- النساء: 82
2- الأنعام: 153

ص: 14

محمّداً رسول اللَّه) إذ أنّ الشهادة الاولى كانت تعني جمع العرب- ومن ثم العالم- على اعتقاد واحد، بوحدانية المعبود وترك الآلهة والأصنام الموجودة عندهم، والشهادة الثانية تعني إنهاء حالة التعددية القيادية والمناحرات القبلية، والاجتماع على قائد واحد، وهو رسول الإنسانية، أي إنّ الإسلام أراد توحيدهم باللَّه سبحانه وتعالى اعتقادياً، وبمحمد بن عبداللَّه صلى الله عليه و آله قائداً روحياً وسياسيّاً واجتماعيّاً، لأنّ وحدة الفكر والقيادة من الأمور التي تقوّي الأمة وترفع شأنها، بخلاف التعددية المؤدّية إلى الفرقة والاختلاف و الضعف.

وإليك الآن بعض الشي ء عن التعبّد والمتعبّدين والاجتهاد والمجتهدين، ودور كل واحد منهما في الوضوء النبوي على سبيل الإجمال.

التعبد والمتعبدون

قلنا لك بأنّ القرآن المجيد والسنة النبوية لم يقبلا بالتعددية بل جاءا ليحطّما الاعتقاد الجاهلي- المبتني على حبّ الذات والطمع في الرئاسة- إذ أكّد سبحانه في القرآن المجيد مراراً و بعدة أساليب على وجوب اتّباع النبي صلى الله عليه و آله الأمّي؛ بمثل قوله: «مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أطَاعَ اللَّهَ» (1) 9، وقوله: «ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقهِ فَأولئكَ هُمُ الفَائزونَ» (2) 10، وقوله: «يَا أيّها الذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبطِلُوا أَعمالَكُم...» (3) 11، وقوله: «إنَّما كَانَ قَولَ المُؤمِنِينَ إذا دُعُوا إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ لِيَحكُمَ بَينَهُم أن يَقُولُوا سَمِعنَا وأطَعنَا وأُولئكَ هُمُ


1- النساء: 80
2- النور: 52
3- محمّد: 33

ص: 15

المُفلِحُونَ» (1) 12، وقوله: «ومَا كَانَ لمُؤمِنٍ ولا مُؤمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ من أمرِهم ومَنَ يَعصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَالًا مُبِيناً» (2) 13... إلى غيرها من الآيات الكريمة الآمرة باتباع النبي صلى الله عليه و آله وطاعته، مقرونة في أكثرها بطاعة اللَّه سبحانه وتعالى، ممّا يعني أنّ أمر النبي صلى الله عليه و آله هو أمر اللَّه سبحانه وتعالى.

ناهيك عن الآيات المصرِّحة بعظمة النبي صلى الله عليه و آله وأ نّه لا يتكلّم إلّاعن اللَّه، كقوله تعالى «وما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى* إِن هُوَ إلّاوحيُ يُوحى» (3) 14، والآيات الكثيرة المادحة للمتعبّدين بما يقول الرسول تعبّداً محضاً، كقوله تعالى: «إنّما المُؤمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا باللَّهِ ورَسُولِهِ وإذا كَانُوا مَعَهُ على أمرٍ جَامِع لم يَذهَبُوا حتّى يَستأذنُوهُ، إنَّ الذِينَ يَستَأذنُونَكَ أُولئكَ الذينَ يُؤمنُون باللَّهِ و رسُوله» (4) 15.

وجاءت السنة النبوية الكريمة بالأوامر المتكررة، بوجوب اتّباع أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه و آله على وجه التعبّد والالتزام المطلق أيضاً، ففي حديث الأريكة قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحدَّثُ بحديث من حديثي فيقول: «بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه»، ألا وإنّ ما حرّم


1- النور: 51
2- الاحزاب: 36
3- النجم 3 و 4
4- النور: 62

ص: 16

رسول اللَّه مثل ما حرّم اللَّه (1) 16، إلى غير ذلك.

هذا، مضافاً إلى الأحاديث النبوية الشريفة المادحة للمتعبدين بأقوال وأفعال وتقارير الرسول صلى الله عليه و آله، كقوله صلى الله عليه و آله: يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن اللَّه قلبه للإيمان، قالوا: من هو يا رسول اللَّه؟

وقال أبوبكر: من هو يا رسول اللَّه؟

وقال عمر: من هو يا رسول اللَّه؟

قال صلى الله عليه و آله: هو خاصف النعل. وكان قد أعطى عليّاً نعله يخصفها (2) 17.

وكقوله صلى الله عليه و آله في عمار بن ياسر: إنّ عماراً مُلئ إيماناً إلى مشاشه. وقوله فيه أيضاً: من عادى عمّاراً عاداه اللَّه، ومن أبغض عمّاراً أبغضه اللَّه (3) 18. وقوله في حنظلة حين خرج في أُحد ملبّياً نداء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله للحرب، وكان قد أعرس بزوجته، فخرج جُنُباً واستُشهد في أحد، فقال النبي صلى الله عليه و آله:

إنّ صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جُنب لمّا سمع الهيعة، فقال النبي صلى الله عليه و آله: لذلك تغسّله الملائكة (4) 19.


1- مسند أحمد 4: 132: سنن ابن ماجة 1: 6/ 12: سنن أبي داود 4: 200/ 2604، السنن الكبرى للبيهقي 9: 331، الاحكام لابن حزم 2: 161، الكفاية للخطيب: 9؛ المستدرك 1: 108، الفقيه و المتفقه 1: 88
2- كنز العمال 13: 173 و 107 و 115
3- الاصابة 2: 512
4- الاصابة 1: 361

ص: 17

الاجتهاد والمجتهدون

كان مسار التعبّد هو المسار الصحيح الذي أراده اللَّه لعباده المؤمنين، أن يؤمنوا باللَّه ورسوله، ويتّبعوا خطوات الرسول وأوامره، وينتهوا عن زواجره ونواهيه، وأن ينقادوا له انقياد طاعة وامتثال دون إعمال للآراء الشخصية أو تأثّر بالآراء الموروثة، لكنّ الواقع المحسوس آنذاك ظلّ ينبئ عن وجود صحابة كانوا يسمحون لأنفسهم بتخطئة الرسول والوقوف أمام أقواله وأفعاله، ولم يكن ذلك بدعاً في الديانات، لأنّ القرآن الكريم والسنة المباركة أخبرانا أنّ ذلك سنة التاريخ في الديانات السالفة، فقد آمن الناس بأنبيائهم، وكان منهم الخصيصون والمقربون والحواريون، كما كان هناك المكذّبون بهم، وكانت هناك طائفة أخرى من الّذين آمنوا بالأنبياء لكنّهم اختلفوا ولم يفهموا ما يأتيهم به أنبياؤهم على وجهه الصحيح أو فهموه لكن كانت لهم فيما فهموه أهواء... تمّ آراء... ثمّ أخطاء!

وكيفما كان، فإنّ القرآن المجيد كشف لنا بلا ريب عن وجود صحابة أسلموا وآمنوا باللَّه والرسول، لكنّهم ظلّوا على قسطٍ وافر من عدم التعبّد، وعدم إدراكهم لقداسة الرسول صلى الله عليه و آله ومدى دائرة وجوب إطاعته، إذ كانوا يعاملونه في بعض الأحيان كأدون الناس شأناً، وكانوا يعارضونه ويعترضون عليه، ويرفَعون أصواتهم فوق صوته، الى غير ذلك!

وقد وضّح القرآن وعالج الكثير من تلك الحالات غير المسؤولة، فقال سبحانه: «وَ مَا كانَ لِمُؤمِنٍ وَ لا مُؤمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ و رَسُولُهُ أَمراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن امرِهِم و مَن يَعصِ اللَّهَ و رَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا

ص: 18

مُبِينا» (1) 20 و قال تعالى «فَلا و رَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا في انفُسِهِم حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ و يُسَلِّمُوا تَسلِيماً» (2) 21 و قال تعالى «يا أيّها الذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبيِ ولا تَجهَرُوا له بِالقول كَجَهر بَعضِكُم لِبَعض أنَ تَحبَطَ أَعمالُكُم وأنتُم لاتَشعُرُون» (3) 22، وفي هذه الآية تصريح بأنّ المخاطبين مؤمنون ينطقون الشهادتين، وأنهم لم يأتوا بالزنا أو القتل أو غيرهما، بل رفعوا أصواتهم على صوت النبي صلى الله عليه و آله وكانوا ينادونه بما يكشف عن أنهم كانوا لا يلتزمون بما يقتضيه شأن النبوّة، ولا يعتبرون النبي صلى الله عليه و آله إلّاشخصاً عادّياً مثلهم، فلا حاجة إذن ولاضرورة للتعبد بما يقوله النبي صلى الله عليه و آله كنبي، وهذا هو الذي أوجب التهديد لهم بالإحباط لأعمالهم.

ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى: «يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُم إذا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا في سبِيلِ اللَّهِ اثَّاقلتُم إلى الأَرضِ» (4) 23 وقوله: «إنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُم اللَّهُ» (5) 24، وقوله: «ألَم تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عن النَّجوَى ثُمّ يَعُودُون لما نُهُوا عنه، ويَتَناجَونَ بالإثمِ والعدوانِ ومعصيةِ الرَّسُولِ» (6) 25.


1- الاحزاب: 36
2- النساء: 65
3- الحجرات: 2
4- التوبة: 38
5- الاحزاب: 57
6- المجادلة: 8

ص: 19

بل نقل الطبرسي في قوله تعالى: «يا أيَّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقِدِّمُوا بَينَ يَدي اللَّه ورَسُوله» أنّ ابن جنّي صرّح بأنّ معناه؛ لا تفعلوا ما تؤثرونه وتتركوا ما أمركم اللَّه ورسوله به، وهذا معنى القراءة المشهورة، أي لاتقدِّموا أمراً على ما أمركم اللَّه به (1) 26.

هذا، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي لوّحت أو صرحت بما لايقبل الشك بوجود هذه الفئة في المجتمع الإسلامي في صدر الرسالة الإسلامية، وإذا لوحظت تلك الآيات وأسباب النزول عُلم أنّ تلك الفئة غير قليلة وذلك الاتجاه كان كبيراً كماً وكيفاً، بحيث شغل حيزاً كبيراً من تفكير المسلمين.

ولم تقتصر الدلالات على القرآن الكريم فقط، بل صرحت السنة النبوية المباركة قولًا وعملًا بوجود هذا الاتجاه وانتقدته وفندّته- أيّما انتقاد وتفنيد- لأنّ تلك الفئة لم تحدّد عملها واجتهادها في كلام النبي وإنّما راحت تتعداه إلى القرآن الكريم.

فلذلك قال النبي صلى الله عليه و آله لبعض أصحابه: ما لكم تضربون كتاب اللَّه بعضه ببعض؟! بهذا هلك مَن كان قبلكم (2) 27. وفي نص آخر أنه صلى الله عليه و آله قال: أيُتلعّب بكتاب اللَّه وأنا بين أظهركم؟! (3) 28 وفي نص ثالث قال صلى الله عليه و آله: أبهذا أُمرتم أو


1- مجمع البيان 5: 129
2- كنز العمال 1: 193/ ح 977
3- كنز العمال 1: 175 عن مسلم

ص: 20

لهذا خُلقتم؟ أن تضربوا كتاب اللَّه بعضاً ببعض، انظروا ما أُمرتم به فاتبعوه، وما نُهيتم عنه فانتهوا (1) 29.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد حذّر أصحابه من هذا التهافت المقيت في تعاملهم مع النصوص القرآنية والنبوية؛ إذ الإيمان باللَّه ورسوله يقتضي التسليم والانقياد لما يقوله اللَّه ويأمر به الرسول صلى الله عليه و آله، فعدم التسليم بقدسية النبي صلى الله عليه و آله وأقواله وأفعاله يتقاطع مع الإيمان المطلق باللَّه والرسول.

لقد حذّر اللَّه من عواقب هذا النوع من التفكير، وأنبأَ أ نّه سينجرّ إلى (الفتنة)، فعن الزبير بن العوام- في تفسير قوله تعالى: «يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ...- إلى قوله- واتّقوا فِتنَةً لا تُصِيبنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصّة» (2) 30- قال: لقد قرأنا هذه الآية زماناً وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيّون بها (3) 31.

وقال السدي: نزلت في أهل بدر خاصة، فأصابتهم يوم الجمل (4) 32.

وبما أنّ ولادة مثل هذا الفكر في مجتمع حديث عهد بالإسلام أمرٌ يوافق سيرة التاريخ وإخبارات القرآن عن سنن الأمم الماضية، راح الشارع


1- مسند أحمد 2: 196، و مسند أبي يعلى 5: 429/ ح 3121، و كنز العمال 1: 383/ ح 1661. و في سنن النسائي 6: 142/ ح 3401 بسنده عن محمود بن لبيد، قال: أُخبر رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله عن رجل طلَّق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضباناً ثمّ قال: أَيُلعَبُ بكتاب اللَّه و أنا بين أظهركم؟! حتى قام رجل و قال: يا رسول اللَّه، ألا أقتله؟!
2- الانفال: 24-/ 25
3- تفسير ابن كثير 2: 488-/ 489
4- تفسير ابن كثير 2: 488-/ 489

ص: 21

المقدس يوازن بين الفئتين، ويبيّن الفرقة الحقّة، والمسار الصحيح، وأنّ التعبّد المحض هو سبيل النجاة، وهو مراد اللَّه سبحانه وتعالى لا الاجتهاد و الرأي و تفسير الأمور وفق الأذواق و الأهواء و الأمزجة والعقائد الموروثة، فقال تعالى: «إنَّما المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وإذا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أمرٍ جَامِعٍ لمَّ يَذهَبُوا حَتّى يَستَأذنوهُ إنّ الَّذِينَ يَستَأْذِنُونَكَ أولئكَ الَّذِينَ يُؤمنُون بِاللَّهِ» (1) 33، فقد قرّر القرآن في هذه الآية الكريمة أنّ استئذان النبي صلى الله عليه و آله يساوق الإيمان باللَّه، وذلك لِما لهؤلاء المستأذنين من عقيدة راسخة وفهم صحيح لوجوب إطاعة النبي صلى الله عليه و آله والالتزام بما يقوله ويفعله، بخلاف الآخرين الذين لا يرون هذه الرؤية ويذهبون إلى خلافها، أو أنّهم يفسّرونها طبق آرائهم واجتهاداتهم.

وغيرها من الآيات المباركة التي تتحدث بهذا الصدد.

المجتهدون في زمان النبي صلى الله عليه و آله

وقد كان للمجتهدين في زمن النبي صلى الله عليه و آله أثر كبير، بحيث سوّغوا لأنفسهم العمل بأعمال نهى عنها النبي صلى الله عليه و آله أو لم يأمر بها، وتعدّوا حدودهم فراحوا يعترضون على النبي صلى الله عليه و آله اعتراض ندٍّ قرين، ويجتهدون أمام النص الصريح.

فمن ذلك ما فعله خالد بن الوليد من الوقيعة ببني جذيمة في السنة الثامنة للهجرة، حيث بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله داعياً للإسلام ولم يبعثه مقاتلًا،


1- النور: 62

ص: 22

فأمر خالد بني جذيمة بوضع السلاح، فلمّا وضعوه غدر بهم وعرضهم على السيف لثأر كان بينه وبينهم في الجاهلية، فلمّا انتهى الخبر إلى النبي صلى الله عليه و آله رفع يديه إلى السماء ثمّ قال: اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد، ثمّ أرسل علياً ومعه مال فودى لهم الدماء والأموال... (1) 34 ومن ذلك قتل أسامة بن زيد لمرداس بن نهيك- مع بداهة حرمة دم المسلم- بعد أن كبّر ونطق بالشهادتين، فقتله أسامة وساق غنمه بدعوى أنه أسلم خوفاً من السيف، فلمّا علم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بفعله قال: قتلتموه إرادةَ ما معه؟! ثمّ قرأ قوله تعالى: «ولا تَقُولُوا لِمَن أَلقَى إِلَيكُمُ السَّلامَ لَستَ مُؤمِناً، تَبتَغُونَ عَرَضَ الحَياةِ الدُّنيا» (2) 35.

ومن ذلك قول رجل من الأنصار في قسمة كان قسمها النبي صلى الله عليه و آله: واللَّه إنها لقسمة ما أُريد بها وجه اللَّه... فشق ذلك على النبي صلى الله عليه و آله وتغيّر وجهه وغضب... ثمّ قال: قد أُوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر (3) 36.

ومن العجيب أنّ هذا الاتجاه كان يمارس فكرته المغلوطة حتّى فيما رخّص به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و آله فغضب، ثمّ قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشي ء أصنعه! فواللَّه إني لأعلمهم وأشدهم خشية (4) 37.


1- الكامل في التاريخ 2: 255-/ 256، سيرة ابن هشام 4: 70-/ 78
2- انظر تفسير الفخر الرازي 11: 3، والكشاف 1: 552، و تفسير ابن كثير 1: 851-/ 852. والآية: 94 من سورة النساء
3- صحيح البخاري 8: 31/ كتاب الاداب- باب الصبر على الأذى
4- صحيح البخاري 8: 31/ كتاب الاداب- باب من لم يواجه الناس بالعتاب

ص: 23

والأنكى من ذلك أنّ بعض روّاد هذا الاتجاه راحوا يؤذون النبي صلى الله عليه و آله في عرضه وأزواجه، حتّى قال طلحة و صحابي آخر- و هو عثمان برواية السدي-: أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات؟! لو مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام (1) 38، و قال طلحة في نص آخر: لئن عشت بعد محمد لأنكحن عائشة (2) 39.

وكان طلحة يريد عائشة، وعثمان يريد أم سلمة، فأنزل سبحانه قوله:

«مَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللَّهِ ولا أَن تَنكِحُوا أَزواجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَداً» (3) 40. و قوله «إِن تُبدُوا شَيئاً أَو تُخفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَي ءٍ عَلِيماً» (4) 41 و قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ و رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنيا و الآخِرَةِ و أَعَدَّ لَهُم عَذاباً مُهِيناً» (5) 42 و قوله «النَّبِيُّ أَولىَ بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم و أَزواجُهُ أُمَّهاتُهُم» (6) 43.


1- تفسير القرطبي 14: 329، روح المعاني 22: 74. و انظر كلام السدي في دلائل الصدق 3: 337- 339
2- تفسير الرازي 25: 225، تفسير القرطبي 14: 229، تفسير ابن كثير 3: 506، الدر المنثور 6: 639، تفسير البغوي 3: 541، معاني القرآن للنحاس 5: 373، روح المعاني 22: 73، غاية السول في سيره الرسول: 223، السيرة الحلبية 1: 448، الطبقات الكبرى 8: 201، زاد المسير 2: 712
3- الاحزاب: 53، عن السدي في تفسير الاية الدر المنثور 5: 214، الطرائف 2: 493
4- الاحزاب: 54
5- الاحزاب: 57
6- الاحزاب: 6

ص: 24

واللافت للنظر أن أبابكر وعمر لم يكونا بمنأىً عن الاجتهاد، بل نرى لهما نصيباً من الاعتراض على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وعدم امتثال أوامره صلى الله عليه و آله (1) 44، وخصوصاً عمر بن الخطّاب الذي خالفه في مفردات كثيرة:

كاعتراضه على النبي صلى الله عليه و آله في صلاته على المنافق (2) 45، واستيائه من قسمة قسمها النبي صلى الله عليه و آله (3) 46، ومواجهته للنبي بلسان حادٍّ في صلح الحديبية (4) 47، ومطالبته النبي صلى الله عليه و آله أن يستفيد من مكتوبات اليهود في الشريعة (5) 48، وقوله في أخريات ساعات حياة النبي صلى الله عليه و آله: إنّه ليهجر (6) 49 أو غلبه الوجع.

وهكذا وهلمّ جرّاً في الاجتهادات التي خولف بها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حياته، غير ناسين أنّ المسلمين انقسموا بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حين دعا بالقلم والدواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فمن قائل: أنفذوا ما


1- الاصابة 1: 484، حلية الأولياء 3: 227، البداية و النهاية 7: 298، مسند أحمد 3: 15
2- تاريخ المدينة لابن شبة 1: 372، الدر المنثور 3: 264، كنز العمال 2: 419/ ح 4393
3- مسند أحمد 1: 20 عن الاعمش عن شقيق عن سلمان بن ربيعة، و مسلم في الزكاة
4- تاريخ عمر لابن الجوزي: 58
5- المصنف لعبد الرزاق 10: 313، مجمع الزوائد 1: 174
6- صحيح البخاري 1: 39 كتاب العلم، و كتاب المرضى 4، صحيح مسلم 3: 1257، 1259

ص: 25

قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وقائل: القول ما قال عمر، وهذا إن كشف عن شي ءٍ فإنما يكشف النقاب عن وجود الاتجاهين حتّى آخر لحظة من حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله، وأنّ اتجاه الاجتهاد بالرأي كان قويّاً ومؤثراً في مسير تاريخ المسلمين وفقههم وحياتهم، وذلك هو الذي شرّع التعدديّة وحجيّة الرأي بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

ولا يخفى عليك أنّ ما يهمّنا بحثه هنا هو معرفة (وضوء النبي صلى الله عليه و آله) من خلال بيان ملابسات التشريع الإسلامي على وجه العموم، وما يتعلق بوضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بوجه خاص.

المجتهدون بعد النبي صلى الله عليه و آله

لقد علمنا بوجود تيارين في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: متعبّد، ومجتهد، وبقاءهما إلى آخر لحظة من حياة النبي صلى الله عليه و آله، ولظروف شتّى صار زمام الخلافة بيد رؤساء الاجتهاد والرأي بعد النبي صلى الله عليه و آله، فكان من جملة ما اتخذوه من قرارات هو معارضتهم للتحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لأمور رأوها.

فجاء في تذكرة الحفاظ: أنّ الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال:

إنكم تحدّثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللَّه، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (1) 50.


1- تذكرة الحفاظ 1: 2-/ 3، حجية السنة: 394

ص: 26

و عن عروة بن الزبير: أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير اللَّه فيها شهراً، ثمّ أصبح يوماً، وقد عزم اللَّه له فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها فتركوا كتاب اللَّه تعالى، وإني واللَّه لا ألبس كتاب اللَّه بشي ءٍ أبداً (1) 51.

وروي عن يحيى بن جعدة: أنّ عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثمّ بدا له أن لا يكتبها، ثمّ كتب في الأمصار: من كان عنده منها شي ء فليمحه (2) 52.

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر: أنّ عمر بن الخطاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيّها الناس! إنّه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبُّها إلى اللَّه أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاباً إلّاأتاني به، فأرى فيه رأيي.

قال: فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار، ثمّ قال: أمنيّة كأمنيّة أهل الكتاب (3) 53.


1- تقييد العلم: 49، حجية السنة: 395 عن البيهقي في المدخل، و ابن عبدالبر
2- تقييد العلم: 53، حجية السنة: 395
3- حجية السنة: 395، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 140 «مثناة كمثناة أهل الكتاب»

ص: 27

وفي الطبقات الكبرى ومسند أحمد، قال محمود بن لبيد: سمعت عثمان على المنبر يقول: لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً عن رسول اللَّه لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (1) 54.

وعن معاوية أنّه قال: أيها الناس! أقلّوا الرواية عن رسول اللَّه، وإن كنتم تحدّثون، فحدّثوا بما كان يُتَحدَّث به في عهد عمر (2) 55.

وهذه النصوص توضّح لنا انقسام المسلمين إلى اتجاهين:

1- اتّجاه الشيخين ومن تبعهما من الخلفاء، فإنّهم كانوا يكرهون التدوين ويحضرون على الصحابة التحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

2- اتّجاه جمعٍ آخر من الصحابة قد اتّخذوا التدوين مسلكاً ومنهجاً حتّى على عهد عمر بن الخطاب، منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأنس بن مالك وأبوسعيد الخدري وأبوذر وغيرهم.

فترى هؤلاء يدوّنون ويحدّثون وإن وضعت الصمصامة على أعناقهم، لقول الراوي: أتيت أباذر- وهو جالس عند الجمرة الوسطى- وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل (3) 56 فوقف عليه ثمّ قال: ألم تُنْهَ عن الفتيا؟ (4) 57 فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت عليَّ؟ لو وضعتم الصمصامة على


1- الطبقات الكبرى 2: 336 و عنه في السنة قبل التدوين: 97
2- كنز العمال 1: 291
3- هو فتى من قريش كما في تاريخ دمشق 66: 94. و في فتح الباري 1: 148 «و بيّنّا أنّ الذي جابهه رجل من قريش»
4- قال ابن حجر في فتح الباري 1: 148 «إنّ الذي نهاه عن الفتيا عثمان»

ص: 28

هذه- وأشار إلى قفاه- ثمّ ظننت أنّي انفذ كلمةً سمعتها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قبل أن تجيزوا (1) 58 عليّ لأنفذتها! (2) 59 وترى الخلفاء وأتباعهم يمنعون التحديث والتدوين ويضربون ويهددون المحدثين.

ومن هنا حدث التخالف في الموقف بين النهجين، هذا يحدّث ويدوّن، وذاك يقول بالإقلال ومنع التحديث والتدوين، وهذا يقول بلزوم عرض المنقول عن رسول اللَّه على القرآن، فإن وافقه يؤخذ به وإن خالفه يُضرب به عرض الجدار، والآخر يقول بعدم ضرورة ذلك ويعتبره من عمل الزنادقة، وبذلك ارتسمت الأصول الفكرية للطرفين تدريجيّاً.

عثمان والاجتهاد

وفي خضم هذه الأحداث وإمساك نهج الاجتهاد والرأي بزمام الأمور، تسنّى لهم أن يجعلوا سيرة الشيخين قسيماً ثالثاً لكتاب اللَّه وسنّة النبي صلى الله عليه و آله، فاشترطوا على من يلي الخلافة بعد عمر أن يذعن لهذه القاعدة النابعة من الاجتهاد، فقبل عثمان بن عفّان ذلك، وأبى الإمام عليٌّ أشدّ الإباء، لأنّ قبول ذلك الشرط يعني التخلي عن مدرسة التعبد المحض،


1- تجيزوا: أي تكملوا قتلي
2- سنن الدارمي 1: 136. و رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 64، و ابن سعد في طبقاته 2: 354. و روى هذا الحديث البخاري في صحيحه 6: 25 لكنّه بتره و لم يذكر نهي عثمان و لا الفتى القرشي الرقيب الجاسوس، بل اكتفى بذكر قول أبي ذر «لو وضعتم الصمصامة»... الخ

ص: 29

و يعني الانخراط في سلك الاجتهاد بالرأي، وذلك ما لا يقرّه عليّ بن أبي طالب- تبعاً لرسول اللَّه والقرآن المجيد كما بيّنّا ذلك- لأنّه يضفي الشرعية على تلك الفكرة المستحدثة.

ولا يخفى أنّ عبدالرحمن بن عوف كان يبغي من هذا الشرط إلزام عثمان بن عفّان بالعمل طبق اجتهادات الشيخين، وحصر دائرة الشرعيّة بهما دون سواهما، إلّاأنّ الواقع الذي حصل من بَعْدُ كانَ خلاف ما أراد الشيخان و ابن عوف، لأنّ فكرة الاجتهاد بنفسها تأبى هذا التأطير الذي لا يمتلك القوة الإقناعية لهذا الحصر المراد.

فإنّ تشريع سنّة الشيخين- طبق الاجتهاد- والارتقاء بها إلى صف السنة النبوية، جاء لتطبيق ما سُنّ على عهدهما من آراء، والذهاب إلى شرعيتها، وعدم السماح للآخرين بمخالفتها، وعثمان كان يعتقد بأنّه لايقلّ عن الشيخين بشي ء، فما هو المبرر لتمسّكه بسيرتهما دون أن يجعل لنفسه سيرة واجتهادات خاصة؟!

لقد سار عثمان على سيرة الشيخين مدّة من الزمن، حتّى إذا أراد الاستقلال بالرؤية وجعل نفسه ثالثةَ الأثافي في أعلام مدرسة الاجتهاد، انتقضت عليه الأطراف وتعالت صرخات الاحتجاج، لأنّ اجتهاداته وسّعت الدائرة الأولى فأخرجت عثمان عن العهد الذي التزم به وقطعه على نفسه، كما أخرجت الاجتهاد عمّا أريد له من تأطير وحصر، وبذلك اكتملت حلقات الاجتهاد والرأي عند الشيخين حتّى بلغت أوجها عند عثمان مما حدا بالصحابة أن يصفونه و يصمونه بتحريف الدين وتقويضه، ثمّ

ص: 30

تشبيههم إيّاه بنعثل اليهودي (1) 60، و غير ذلك.

ولذلك وجدنا كثرة الناقضين على عثمان آراءه، ومعارضتهم لفقهه الجديد الذي أراد تطبيقه في كثير من المفردات الفقهية، ومنها الوضوء كما رأيت وسترى.

عثمان والوضوء

لقد اتضحت عواقب الاجتهاد بجلاء في زمن عثمان، حتّى أصبح المسلمون لا يطيقون تحمّلها، فثارت ثائرتهم عليه، وكان هذا التحوّل في مسار المشرَّعات وحياة المسلمين هو الذي حدا بابن عباس أن يُوقِفَ عمر بن الخطاب عليه، حيث خلا عمر ذات يوم فجعل يحدّثُ نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال:

كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟

قال ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، إنا أُنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيما نزل، وإنه يكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيمَ نزل، فيكون لكل قوم رأي، فإذا كان لكلّ قوم رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. فزبره عمر وانتهره، وانصرف ابن عباس، ثمّ دعاه بعد، فعرف الذي قال، ثم قال: إيهاً أَعِد (2) 61.


1- ستقف على مصادر بعض هذه النصوص في صفحة 57 من هذا الكراس
2- كنز العمال 2: 333/ ح 4167

ص: 31

وهكذا حدث بالفعل، فقد اختلف الصحابة فيما يعرفون وفيما لم يعرفوا، وصارت الأغلبية الساحقة ضدّ عثمان، والنزر القليل معه، وبقي الاجتهاد والرأي هما الحاكمان لذهنية عثمان حتّى مقتله، ذلك الاجتهاد الذي أثّر على جُلّ الفروع الفقهيه إن لم نقل كلما، حتّى انعكس على أمّهات المسائل و واضحاتها، بل على أوضحها، ألا وهو الوضوء.

وقد أخذنا هنا مفردة «وضوء النبي صلى الله عليه و آله» لنرى البعد الاجتهادي ومدى تأثيره على هذا الفرع الذي لا تُقبل الصلاة إلّابه، إذ كيف اختلف المسلمون فيه مع أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يؤدّيه بمرأىً منهم على مدى ثلاث وعشرين سنة؟ ومتى وقع الاختلاف فيه؟ ومن أوقعه؟ وما هي دواعي الاختلاف فيه؟

فممّا لا شك فيه أنّ المسلمين في العهد النبوي كانوا تبعاً للنبي في كيفية الوضوء، وهو وضوء واحدٌ لا غير؛ فكيف صار المسلمون بين ماسح مُثَنٍّ وبين غاسل مثلّثٍ؟!- إذ لا يخرق إجماعهم المركّب قول قائل بالجمع احتياطاً، أو بالتخيير لتكافؤ الأدلة عنده لأنّها أقوال شاذة- وكلٌّ منهم يدّعي أنّ ذلك فعلُ النبي صلى الله عليه و آله وأنّه الصواب وغيره الخطأ.

وعلى كلّ حال، فإنَّ الوضوء في زمان النبي صلى الله عليه و آله ممّا لم يكن ولم يصلنا فيه خلاف، إذ النبي صلى الله عليه و آله الأكرم ما زال بين أظهرهم.

وأمّا في زمن أبي بكر- على قصره- فلم نعهد فيه خلافاً وضوئياً، ولو كان لبَان، وذلك يدل على استقرار أمر الوضوء بين المسلمين في عهده،

ص: 32

وأنهم لم يزالوا متعبدين بوضوء النبي صلى الله عليه و آله، خصوصاً وأنّ نصّاً في الوضوء البياني لم يصلنا عن أبي بكر، وهذا ممّا يؤكد عدم وجود خلاف فيه آنذاك.

وكذلك لم نعهد خلافاً مطروحاً في زمن عمر بن الخطّاب إلّافي مسألة يسيرة، هي مسألة جواز المسح على الخفّين وعدمه، إذ تخالف عليٌّ وعمر فيها (1) 62، وحدث بين سعد وعبداللَّه بن عمر أيضاً خلاف فيها بمحضر من عمر (2) 63، ولم نجد أكثر من ذلك، وهذا لا يشكّل خلافاً في أصل الوضوء


1- ففي تفسير العياشي 1: 301- 302 بسنده عن الصادق عليه السلام، قال: إنّ عليّاً عليه السلام خالَفَ القوم في المسح على الخفين على عهد عمر بن الخطاب... و فيه أيضاً 1: 297/ ح 46 بسنده عن زرارة بن أعين و أبي حنيفة، عن أبي بكر بن حزم، قال: توضّأ رجل فمسح على خُفّيه، فدخل المسجد فصلّى، فجاء عليٌّ فوطأ على رقبته، فقال: ويلكَ! تُصلّي على غير وضوء؟! فقال الرجل: أمرني عمر بن الخطاب. قال الراوي: فأخذه بيده، فانتهى به إليه. فقال علي: انظر ما يروي هذا عليك- و رفَعَ صوته- فقال عمر: نعم، أنا أمرتُهُ؛ إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مَسَحَ. قال علي: قبل المائدة أو بعدها؟ قال عمر: لا أدري. قال علي: فَلِمَ تفتي و أنت لا تدري؟! سَبَقَ الكتابُ الخُفَّيْن. انتهى. و المقصود أنّ سورة المائدة كانت من أواخر السّور التي نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و قد بُيِّنَ فيها الوضوء بقوله تعالى «وَ امسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَ أَرجُلَكُم» و هي تعني أنّ المسح على القدمين لا على الخُفّين
2- ففي مسند أحمد 1: 366 بسند صحيح عن خصيف أنّ مقسما- مولى عبداللَّه بن الحارث بن نوفل- أخبره أنّ ابن عباس قال: انا عند عمر حين سأله سعد بن أبي وقاص و ابن عمر المسح على الخفين؟ إذ كان سعد يرى المسح على الخفين، و كان عبداللَّه بن عمر لا يرى جوازه فقضى عمر لسعد. فقال ابن عباس: فقلت: يا سعد، قد علمنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مَسَحَ على خُفّيه، و لكن أَقَبْلَ المائدة أم بعدها؟... قال: لا يخبرك أحدٌ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مَسَحَ عليهما بعدما أُنزلت المائدة، فسكت عمر

ص: 33

وماهيّته كما لا يخفى.

ثمّ إنّ عدم وجود وضوء بياني عن عمر بن الخطّاب، يكشف عن عدم وجود اختلاف ظاهر في الوضوء في عهده، خصوصاً إذا علمنا أنّ الفتوح توسّعت آنذاك وكان الداخلون الجدد في الإسلام بحاجة إلى تعلّم الوضوء.

فالحالة الطبيعية كانت تقتضي صدور نصوص عن عمر- أو في زمانه لو كان ثمة اختلاف في ماهية الوضوء، وحيث لم نجد أي شي ء من ذلك، عرفنا استقرار أمر الوضوء وعدم الخلاف فيه، بل الذي وجدنا فيه هو نسبة المسح على القدمين إلى الخليفة عمر بن الخطّاب (1) 64.

نعم، إنّ الخلاف في الوضوء قد ظهر في زمن عثمان بن عفّان، وذلك طبق الأدلة والمؤشرات التاريخية.

فقد روى المتقي الهندي، عن أبي مالك الدمشقي قوله:

حدّثت أنّ عثمان بن عفّان اختُلف في خلافته في الوضوء (2) 65.

وأخرج مسلم في صحيحه، عن قتيبة بن سعيد، وأحمد بن عبدة الضبي، قالا: حدثنا عبدالعزيز- وهو الدراوردي- عن زيد بن أسلم، عن حمران مولى عثمان،


1- انظر: عمدة القاري 2: 240 و فيه: أخرجه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ
2- كنز العمال 9: 443/ ح 26890

ص: 34

قال: أتيت عثمان بن عفّان بوضوء، فتوضّأ ثمّ قال: إنّ ناساً يتحدّثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأحاديث لا أدري ما هي، إلّا أنّي رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضّأ مثل وضوئي هذا. ثمّ قال:

«من توضأ هكذا غُفِر له ما تقدم من ذنبه» (1) 66.

وهذان النصّان يقرّران حدوث اختلاف في الوضوء بين عثمان، وبين ناس متحدثين عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهذا يؤكد تواصل النهجين في هذا العهد: نهج الاجتهاد والرأي والذي يتزعمه الخليفة، ونهج التعبد المحض والذي يتزعمه ناس متحدثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. وبمعنى آخر إنّ هناك وضوءين:

1- وضوء عثمان بن عفّان.

2- وضوء ناس متحدثين عن النبي صلى الله عليه و آله.

هذا، وإن عثمان حاول تجاهلهم بقوله «بأحاديث لا أدري ما هي»؟! مع اعترافه بأنّهم يتحدّثون عن النبي صلى الله عليه و آله دون اجتراءٍ منه على تكذيبهم أو اتّهامهم بالوضع.

وإذا أضفنا الملاحظات التالية إلى هذين النصين تبيّن لنا أنّ الخلاف وقع في زمان عثمان لا محالة، وهي:

أ- عدم وجود وضوء بياني للشيخين كما قدمنا، بل وجود نص عن الخليفة الثاني يدل على كونه من الماسحين على القدمين، إذ أتى العيني باسمه


1- صحيح مسلم 1: 207/ ح 8، و عنه في كنز العمال 9: 423 ح 26797

ص: 35

في عمدة القاري ضمن الماسحين (1) 67.

وهكذا جاء عن ابنه عبداللَّه خبر المسح؛ لِما أخرجه الطحاوي بسنده عن نافع عن ابن عمر أنّه كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه مسح ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يصنع هكذا (2) 68.

وقد جاء عن عائشة أنّها خالفت أخاها عبدالرحمن في وضوئه وقالت له: يا عبدالرحمن، أسبغ الوضوء؛ فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: ويل للأعقاب من النار (3) 69.

فإنها أرادت الاستفادة من كلمة (الإسباغ) (وويل للأعقاب) للتدليل على لزوم غسل القدمين، وأنت تعلم بأنْ لا دلالة لهاتين الكلمتين على مطلوبها، بل ترى في كلامها إشارة إلى ثبوت المسح عندها عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، لكنها في الوقت نفسه اعتقدت بشمول ودلالة جملة (ويل للأعقاب) للغسل اجتهاداً من عندها!!

فلو كانت حقاً قد رأت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يغسل رجليه للزمها القول: يا عبدالرحمن اغسل رجليك، فإني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يغسل رجليه، لا أن


1- عمدة القاري للعيني 2: 240
2- شرح معاني الآثار 1: 35/ ح 160
3- صحيح مسلم 1: 213/ ح 25، سنن ابن ماجة 1: 154/ ح 452، المصنف لعبدالرزاق 1: 23/ 69، الموطأ 1: 19/ 5، مسند أحمد 6: 112، شرح معاني الآثار 1: 38/ 188

ص: 36

تستدلّ بقوله (ويل للاعقاب من النار)، وحيث إنّها لم تر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يغسل رجليه فقد استدلت على وجوب الغسل- حسب اعتقادها- بقوله صلى الله عليه و آله لا بفعله، على أنّه- وعلى حدّ الاحتمال- قد يكون هذا الخبر وأمثاله هو ممّا نسبه الأمويون إليها.

وبهذا فقد عرفت أنّ سيرة المسلمين كانت المسح- ومنذ عهد النبي صلى الله عليه و آله، إلى آخر عهد الشيخين- لعدم مجي ء وضوء بياني عنهما، ولعدم وجود الخلاف في عهدهما، ولما رأيته من فعل أبنائهما (1) 70 في الوضوء.

ب- عدم صدور الوضوءات البيانية عن الصحابة المكثرين- كأبي هريرة وعائشة وابن عمر- ولا عن عيونهم وكبارهم- كابن مسعود وعمار وأبي ذر وسلمان- ولا عن زوجات النبي صلى الله عليه و آله، ولا عن مواليه- سوى أنس، صاحب الوضوء المسحي المخالف لوضوء الحجاج بن يوسف الثقفي (2) 71!!- مع أنّ الحالة الطبيعية كانت تقتضي أن تصدر النصوص عنهم؟!

ج- إنّ عدد المرويات الوضوئية لعثمان هائل بالنسبة لباقي أحاديثه؛ إذ أنها تقارب عشرين حديثاً أو أكثر، من مجموع مائة واثنين وأربعين رواية عنه في شتّى الأبواب.


1- ك (عبداللَّه بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ومحمد بن أبي بكر، وحتى عائشة بنت أبي بكر قبل وفاة سعد بن أبي وقاص). إذ أنّ خلافها مع أخيها عبدالرحمن كان يوم توفّي سعد بن أبي وقاص كما في صحيح مسلم و السنن الكبرى للبيهقي 1: 230، و جامع البيان للطبري 6: 180 و غيرها. و سعدٌ توفّي سنة 54 أو 55 أو 58 ه. انظر أسد الغابة 2: 293
2- انظر خبر ذلك في تفسير الطبري 6: 82 و تفسير ابن كثير 2: 44 و تفسير القرطبي 6: 92

ص: 37

د- وجود ظواهر ومشتركات غريبة في روايات عثمان الوضوئية تفرّد بها عن روايات الآخرين (1) 72، وفيها إشارة إلى كونه في موقف المتّهم، وإلى وقوع الخلاف معه في الوضوء.

ه- وضع بعض الأحاديث أريد من خلالها تحشيد رؤوس من المعارضين لعثمان فقهاً وسياسة، وعدّهم في صفّ مؤيّديه في وضوئه (2) 73.

المخالفون لعثمان

بعد أن اهتدينا إلى معرفة تاريخ اختلاف المسلمين في الوضوء، كان لابدّ لنا من الوقوف على «الناس المتحدثين عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله» لعدم تصريح عثمان بأسمائهم.

وكان السبيل للاقتراب من ذلك هو معرفة المخالفين المطّردين أو شبه المطردين لعثمان بن عفان في إحداثاته الأخرى، كإتمام الصلاة بمنى (3) 74، وعفوه عن عبيد اللَّه بن عمر (4) 75، وتعطيله للحدود ورده للشهود- كما في قضية


1- سيأتي بيانها تحت عنوان «من هو البادئ بالخلاف»
2- انظر كنز العمال 9: 447/ ح 26907، و 9: 439/ ح 26876 ففيهما ادّعاء شهادة طلحة والزبير وعلي وسعد لعثمان على صحة وضوئه الغسلي، مع أنهم من معارضيه فقهاً وفكراً وتطبيقاً
3- تاريخ الطبري 4: 268، انساب الاشراف 5: 39، سنن البيهقي 3: 144، كنز العمال 8: 238/ ح 22720. صحيح البخاري 2: 53، صحيح مسلم 1: 481/ ح 15 و 482/ ح 17، مسند احمد 3: 159، 190، مجمع الزوائد 2: 155، الموطأ 1: 402/ ح 201
4- سنن البيهقي 8: 61، طبقات ابن سعد 5: 15، تاريخ الطبري 4: 239، شرح النهج: 3: 60، تاريخ اليعقوبى 2: 163، الكامل فى التاريخ 3: 75

ص: 38

شرب الوليدبن عقبة الخمر (1) 76- وتقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين (2) 77، و النداء الثالث يوم الجمعه (3) 78 وغيرها.

وحيث وقفنا في مدخل الدراسة على أسماء أولئك (4) 79، سعينا لانتقاء جملة من المخالفين المطردين أو شبه المطردين لعثمان في تلك الإحداثات، فكانوا كالتالي:

1- عليّ بن أبي طالب

2- عبداللَّه بن عباس

3- طلحة بن عبيداللَّه

4- الزبير بن العوّام

5- سعد بن أبي وقاص

6- عبداللَّه بن عمر

7- عائشة بنت أبي بكر


1- طبقات ابن سعد 5: 17، تاريخ الطبري 4: 274، انساب الاشراف 5: 34، تاريخ الخلفاء: 154، الكامل فى التاريخ 3: 106
2- فتح البارى 2: 161، صحيح البخاري 2: 23، صحيح مسلم 2: 602/ ح 201، سنن ابن داود 1: 297/ ح 1142، سنن ابن ماجه 1: 406/ ح 1273، سنن الترمذى 2: 21/ ح 529، مسند احمد 2: 38
3- انساب الاشراف للبلاذرى 5: 39، المنتظم 5: 7، المصنف لأبي ابن شيبة 2: 48/ 3 و 4 و 6، تاريخ اليعقوبي 2: 162
4- لا يفوتك أنّ المكتوب هنا إنّما هو خلاصة لمدخل الدراسة، و لو أحببتَ المزيد فراجع البحث التاريخي للدراسة (المدخل) من ص 115- 127

ص: 39

8- أنس بن مالك

وإذا عرفنا أنّ عليّ بن أبي طالب وعبداللَّه بن عباس، وأنس بن مالك، من أصحاب الوضوء المسحي قطعاً وكونهم من المكثرين في الحديث، تجلّى لنا أمر الناس المعنيين في كلام عثمان، وتبيّن لنا أنّهم من علّيّة الصحابة وعيونهم، لا كما أراد عثمان أن يصوّرهم من خلال تجاهله لهم.

أضف إلى ذلك أسماء الصحابة الذاهبين إلى المسح أو المنسوب إليهم ذلك مثل:

1- عبّاد بن تميم بن عاصم المازني

2- أوس بن أبي أوس الثقفي

3- رفاعة بن رافع

4- أبي مالك الأشعري

5- عبد اللَّه بن مسعود (1) 80 6- جابر بن عبد اللَّه الانصاري (2) 81 7- عمر بن الخطّاب (3) 82 وغيرهم.

وهنا نستطيع معرفة من كان يعنيهم عثمان من معارضيه الوضوئيين، ونعلم زيف الرواية التي تدّعي موافقة طلحة والزبير وعلي وسعد لعثمان في وضوئه، إذ علمت أنهم من مخالفيه، وأنّ طلحة والزبير كانا من أشدّ الناس


1- و ذلك من خلال ادعائهم الرجوع إلى الغسل، و هذا مما يعني أنه كان ذاهباً إلى المسح
2- عدّه العيني ضمن الماسحين، انظر عمدة القاري 2: 240
3- عمدة القاري 2: 240

ص: 40

تأليباً عليه ومن أوائل الداعين لقتله.

فمن مخالفة بعض الصحابة لعثمان في أغلب اجتهاداته، وورود أسمائهم في قائمة الوضوء الثنائي المسحي، وعدم ورودهم في قائمة الوضوء الغسلي، اهتدينا إلى الناس المقصودين في عبارة عثمان، والعبارات الأخرى الواردة في مثل هذا المقام المراد منها أمثال أولئك الرجال.

من هو البادئُ بالخلاف؟

قبل أن نبين لك البادئ بالخلاف لا بدّ لنا من عرض بعض النصوص التي نقلت الوضوء العثماني، لتقف من خلالها على الاستنتاج الصحيح في هذا المضمار:

1- أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن حمران مولى عثمان، قال:

أتيت عثمان بن عفان بوضوء، فتوضّأ ثم قال: إنّ ناساً يتحدثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأحاديث لا أدري ماهي، إلّاأني رأيت رسول اللَّه توضّأ مثل وضوئي هذا (1) 83. ثم قال: من توضّأ هكذا غُفِر له ما تقدم من ذنبه (2) 84


1- كان عثمان يؤكد على هذا المعنى- وراويه في ذلك حمران/ طويدا اليهوديّ مولاه- ففي سنن الدارمي 1: 176 وسنن البيهقي 1: 53 و 56 و 58 «من توضّأ نحو وضوئي هذا»، وفي البخاري 1: 51 «من يتوضّأ نحو وضوئي هذا»، وفي سنن أبي داود 1: 106 «من توضّأ مثل وضوئي هذا»، و في سنن الدارقطني 1: 83/ ح 14 «رايت رسول اللَّه توضّأ نحو وضوئي هذا». فهو في كل ذلك يدعو الناس إلى وضوئه و يُشبّه وضوء النبي بوضوئه، و لا يُشبِّه وضوءَه بوضوء النبي صلى الله عليه و آله
2- صحيح مسلم 1: 207/ ح 8

ص: 41

2- روى البيهقي بسنده عن محمد بن عبداللَّه بن أبي مريم، قال:

دخلت على ابن دارة مولى عثمان منزله، فسمعني أتمضمض، فقال:

يا محمد، قلت: لبَّيك، قال: ألا أخبرك عن وضوء رسول اللَّه؟ قلت: بلى، قال: رأيت عثمان بن عفان و هو بالمقاعد (1) 85... ثم ساق الوضوء العثماني و فيه: و مسح برأسه ثلاثاً و غسل قدميه (2) 86.

و أخرج الدارقطني بسنده عن محمد بن أبي عبداللَّه بن أبي مريم، ع ابن دارة، قال: دخلت عليه- يعني عثمان- منزله فسمعني و أنا أتمضمض، فقال: يا محمد، قلت: لبيك، قال: ألا أحدثك عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قلت:

بلى، قال: رأيت رسول اللَّه أتي بماء و هو عند المقاعد... ثم ساق الوضوء العثماني و فيه: و مسح رأسه ثلاثاً، و غسل قدميه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال:

هكذا وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحببت أن أُريكموه (3) 87.

3- و أخرج الدارقطني بسنده عن عمر بن عبدالرحمن، قال: حدثني جدي: أنّ عثمان بن عفان خرج في نفر من اصحابه حتى جلس على المقاعد، فدعا بوضوء... ثم قال:... كنت على وضوء و لكن أحببت أن أريكم كيف توضّأ النبي صلى الله عليه و آله (4) 88.


1- المقاعد: قيل هي دكاكين عثمان. و قيل: درج. و قيل: موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس و الوضوء و نحو ذلك. فعثمان يقعد في الأماكن العامّة المزدحمة ليدعو إلى وضوئه الجديد
2- سنن البيهقي 1: 62- 63
3- سنن الدارقطني 1: 91/ ح 4
4- سنن الدارقطني 1: 93/ ح 8

ص: 42

4- و في صحيح مسلم بسنده عن الزهري: و لكنّ عروة يحدّث عن حمران انه قال:... و اللَّه لأحدّثنّكم حديثاً، و اللَّه لولا آية من كتاب اللَّه ما حدّثتكموه... إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا يتوضّأ الرجل فيحسن وضوءه ثم يصلي إلّاغُفِر له ما بينه و بين الصلاة التي تليها. قال عروة: الآية «إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّناتِ وَ الهُدى» إلى قوله «الّلاعِنُونَ» (1) 89.

5- و عن حمران، قال: أتيت عثمان بوضوء (2) 90، فتوضّأ للصلاة، ثم قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من توضّأ فأحسن الطهور كُفّر عنه ما تقدّم من ذنبه، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: يا فلان، أسمعتها من رسول اللَّه؟... حتى أنشد ثلاثة من أصحابه، فكلّهم يقول: سمعناه و وعيناه (3) 91.

6- عن حمران مولى عثمان، قال: دعا عثمان بماء فتوضّأ، ثم ضحك... فقال: ألا تسألوني مِمَّ أضحك؟ قالوا: يا أميرالمؤمنين، ما أضحكك؟! قال: رأيت رسول اللَّه توضّأ كما توضأت... (4) 92 و عن حمران أيضاً: قال: رأيت عثمان دعا بماء، ثم سرد وضوءه


1- صحيح مسلم 1: 206/ ح 6. و الآية في سورة البقرة الآية 159
2- اى بماءٍ للوضوء
3- كنز العمال 9: 424/ ح 26800
4- كنز العمال 9: 436/ ح 26863

ص: 43

ثم ضحك، فقال: ألا تسألوني ما أضحكني؟ قلنا: ما أضحكك يا أميرالمؤمنين؟ قال: أضحكني أنّ العبد إذا غسل وجهه حطّ اللَّه عنه كلّ خطيئة أصابها بوجهه... (1) 93 7- و عن عبد الرحمان البيلماني، عن عثمان: أنّه توضّأ بالمقاعد فغسل كفّيه ثلاثاً ثلاثاً... و غسل قدميه ثلاثاً... و سلَّم عليه رجل و هو يتوضّأ فلم يردّ عليه حتى فرغ، فلمّا فرغ كلّمه يعتذر؛ و قال: لم يمنعني أن أردّ عليك إلّاأني سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من توضّأ هكذا و لم يتكلّم ثم قال: أشهد أن لا إله إلّااللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله، غُفِر له ما بين الوضوءين (2) 94.

و عن البيلماني أيضاً: انّه شهد عثمان يتوضّأ على المقاعد، فسلّم عليه رجل فلم يردّ عليه، حتّى إذا فرغ ردّ عليه، و جعل يعتذر إليه، ثم قال:

رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ فسلّم عليه رجل فلم يردّ عليه (3) 95.

عرفنا سابقاً بعض الملامح الدالّة على البادئ بالخلاف، إذ وضّحنا وجود مؤشرات كثيرة دالة على كون عثمان بن عفّان هو الذي بَدَأ الخلاف في الوضوء، وأنّ المسلمين لم يأخذوا بقوله وفعله أيام حياته؛ لما عرفت من اختلاف الناس معه، لكنّ الحكّام- أمويين كانوا أم عباسيين- أكدوا على وضوء عثمان لمصالح ارتضوها في العصور اللاحقة.

وقد رأينا كيف أنّ عثمان بن عفّان- ونظراً لكثرة الناس الماسحين،


1- كنز العمال 9: 442/ ح 26886 (حم و البزار حل ع و صحح)
2- سنن الدارقطني 1: 96
3- كنز العمال 9: 443/ ح 26888 (البغوي فيه، ص)

ص: 44

وتحديثهم عن رسول اللَّه، وقوّة استدلالهم- انحسر وراح يتخذ مواقفَ دالة على ضعفه أمامهم، مشيراً إلى قوة الاتجاه المعارض له، حيث:

1- إنّ عثمان لم يرم «الناس» بالكذب أو البدعة أو الإحداث، بل وصفهم بالتحديث، ولم يشكّك فيهم، وهذا اعتراف منه بأنهم متحدّثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله غير كذّابين ولا مبتدعين ولا مُحْدِثين، ولو كانوا كذلك لقال عنهم ما يجب القول فيهم من الكذب والبدعة و غير ذلك، كما نسبوا هم إلى عثمان ذلك، لا أن يتجاهل مروياتهم بقوله (لا أدري ما هي)، و عثمان بقوله ذلك كشف لنا ماهيّة ومنزلة أولئك (الناس) إجمالًا.

2- لو كان (الناس) هم البادئون بالخلاف لاستعمل عثمان معهم أحد أساليب ثلاثة:

أ- أسلوب الردع الحاسم، وهو ما فعله عمر بن الخطّاب مع ضبيع بن عُسل الحنظلي (1) 96، وهو الأسلوب الذي استعمله عثمان على نطاق واسع مع الصحابة وفي أبسط جزئيات الأمور (2) 97.


1- و هو صحابي كان يسأل عن متشابه القرآن كالذاريات والمرسلات و النازعات، فضربه عمر حتّى أدمى رأسه، و ضُرب مائتي سوط، و حُمِل على قتب، و نفي إلى البصرة، و حُرم عطاؤه، و منع الناس من مجالسته، و صار وضيعاً بعد أن كان سيّداً. انظر: مسائل الإمام أحمد 1: 478/ ح 81، و الإصابة 2: 198- 199، و سنن الدارمي 1: 54 و 55، و نصب الراية 4: 118، و الدر المنثور 2: 7، و فتح القدير 1: 319، و تاريخ دمشق 23: 411
2- انظر في ذلك تاريخ الطبري 4: 251، 284، 318، 398، الكامل في التاريخ 3: 87، 115، 137، 181، المنتظم 4: 360، البداية و النهاية 7: 173، 224، انساب الاشراف 5: 48، شرح النهج 3: 47، 49، 50، 54

ص: 45

ب- طلب النصرة، بأن يستنصر المسلمين لنفسه استنصاراً عامّاً ليقضي على ما أدخله أولئك في الدين، كما جاء في تعليل أبي بكر في قتاله لقبيلة مالك بن نويرة وغيرها بأنهم منعوا الزكاة!!.

ج- المحاججة، بأن يدعو عثمان «الناس المتحدثين» ويحاججهم بالدليل، ليقف المسلمون على عوزهم العلمي، ولعلّ منهم من يرجع عن موقفة، وذلك هو ما فعله الإمام علي حين أرسل ابنَ عباس لمحاججة الخوارج، فرجع منهم من رجع.

لكننا لم نر عثمان اتخذ أيّاً من هذه الأساليب معهم، بل ظهر في موقع المدافع المتّهم المشار إليه، مع أنّه استعمل العنف في حياته، فسيّر المعترضين على سعيد بن العاص في الكوفة، كما سيّر أباذر، ومنع ابن مسعود من قراءته و كَسَرَ بعض أضلاعه، وضرب عماراً وداسه حتّى أصابه الفتق، وهدّد علياً لمشايعته لأبي ذر واعتراضه على محاولة تسيير عمار (1) 98.

فالملاحظ هو أنّ عثمان بن عفّان رغم شدته كان يبدو وديعاً عند طرحه لاجتهاداته، وعند اعتراض بعض المسلمين عليه فيها، فلمّا اعتُرض عليه في إتمام الصلاة بمنى مازاد على قوله «رأيٌ رأيته» (2) 99، وحين خالفه الإمام علي في أكل صيد الحرم مازاد على أن نفض يديه وقام وقال:


1- انظر أنساب الأشراف 5: 55
2- انظر تفنيد الصحابة لدعاوى عثمان و ذرائعه التي تذرع بها في إتمام الصلاة بمنى، وقوله لهم في نهاية المطاف «هذا رأيٌ رأيته». انظر ذلك في أنساب الأشراف 5: 39، و تاريخ الطبري 4: 268

ص: 46

«ما لك لا تدعنا! (1) 100»؟ مع أنّ الظروف الموضوعية والأهميّة الشرعية تقتضي استعمال القوة فيما لو كان هو صاحب الفكرة الحقة.

وهذه الوداعة نفسها أبداها عثمان في جميع وضوءاته وطروحاته فيه، فراح يركّز الفكرة بالهدوء والاستفادة من مصطلح «أحسن الوضوء»، ودعوته مواليه و... كما علمت وستعلم.

كما أنّ عثمان لم يطلب النصرة من المسلمين ولا استصرخهم، بل هم الذين استصرخ بعضُهم بعضاً للقضاء على إحداثات عثمان حتّى قتلوه، فلو أنّ «الناس المتحدثين» كانوا هم البادئين لَاندفع المسلمون- والرواة منهم بدافع الحرص على الدين ووضّحوا للناس الأمر، وأسقطوا التكليف عن الخليفة وكفوه المواجهة، كما رأينا ذلك في منع الزكاة وتصدّي الصحابة لنشر ما سمعوه من النبي صلى الله عليه و آله في مانعي الزكاة وعقوبتهم ووجوب أدائها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى مؤشّرات معاكسة لهذا المفروض، تدلّنا على أن الخليفة هو البادئ بالخلاف، وتلك المؤشرات هي:

أ- إنّ عثمان لم يصرّح ولا باسمِ واحد من معارضيه، ممّا يدل على تخوّفه من أمرٍ مّا.

ب- مرّ عليك سابقاً أنه لم يرمهم بالكذب والابتداع، بل اقتصر على وصفهم بأنهم يتحدثون عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ تجاهلهم وتجاهل مرويّاتهم!!


1- انظر تفسير الطبري 7: 46

ص: 47

ج- إننا لم نجد حتّى لأصحاب عثمان المقربين منه- كمروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت- دفاعات عن وضوئه، فإنّهم لم يَقْدموا على ذلك، مع أنّ منهم من دافع عنه يوم الدار.

3- إنّ عثمان بن عفّان اتّخذ أساليب غير مألوفة في إعلانه عن وضوئه الجديد، ممّا يؤكّد وقوفه في موقف المتّهم الذي يريد طرحَ شي ءٍ جديد، وذلك عبر النقاط التالية:

أ- إنّ عثمان راح يجنّد مواليه لنقل فكرته الوضوئية عنه، كحمران وابن دارة، مع أنّ حمران كان يهوديّاً من سَبْي عين التمر (1) 101 وقد أسلم في السنة الثالثة من خلافة عثمان، وهذا يدل على أنّ صدور نقله للوضوء عن عثمان جاء متأخراً عن هذا التاريخ، وهو ممّا يؤكد صدور الوضوء من عثمان في الستّ الأواخر من حكمه، شأنه شأن باقي آرائه واجتهاداته التي نقمها عليه المسلمون. وهو الذي جعل الإمامَ عليّاً يقول عنه (حتّى أجهَزَ عليه عملُه) (2) 102.

ب- ابتداء عثمان- ولأدنى الأسباب- بتعليم الوضوء تبرّعاً وبدون سؤال سائل، كمسارعته لتعليم ابن دارة وضوءه الغسلي بمجرّد سماع


1- انظر طبقات ابن سعد 7: 148، تهذيب الكمال 7: 303، تاريخ الاسلام للذهبي: 395، مختصر تاريخ دمشق 7: 253، وفيات الاعيان 4: 181، تاريخ بغداد 5: 332، تاريخ الطبري 3: 415، الأخبار الطوال: 112، معجم البلدان 5: 301، المعارف لابن قتيبة: 248
2- نهج البلاغة 1: 35/ الخطبة 3

ص: 48

مضمضته (1) 103، وكجلوسه على المقاعد وطرحه لوضوئه الغسلي (2) 104.

كما أنّ هناك عبارة «أحببت أن أريكموه» (3) 105، وهي صريحة في التبرّع و المبادرة، وقد استعملها معاوية أيضاً في الوضوء الغسلي بزيادته مسحَ الرأس بغرفة من ماء حتّى يقطر الماء من رأسه أو كاد يقطر، وأنّه أراهم وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (4) 106! ونفس العبارة جاءت في وضوء نُسِبَ للبراء بن عازب (5) 107، هذا مع خلوّ أغلب روايات الوضوء المسحي عن هذا التبرّع الذي يكمن وراءه شي ءٌ!

ج- محاولة عثمان استشهاد جماعة على صحّة وضوئه لاكتساب الشرعية واقتطاب أكبر عدد ممكن لتأييد الوضوء الجديد، فالرواية تقول أنّه كان يقول: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم، ثمّ قال: أكذلك يا فلان؟ قال:

نعم، حتّى استشهد ناساً من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: الحمد للَّه الذي وافقتموني على هذا (6) 108، حتّى ادّعي في بعضها- كما قلنا- أنّه استشهد


1- سنن البيهقي 1: 62-/ 63
2- سنن الدارقطني 1: 91/ ح 4
3- سنن الدارقطني 1: 91/ 4، و 13/ 8
4- انظر: مسند أحمد 4: 94
5- مسند أحمد 4: 288. و فيه أن البراء قال لهم: اجتمعوا فلأريكم كيف كان رسول اللَّه يتوضّأ... فجمع بنيه و أهله و دعا بوضوء..
6- كنز العمال 9: 41/ 26883 عن الدارقطني 1: 85/ 9، وانظر مسند أحمد 1: 57 و 1: 67-/ 68، وكنز العمال 9: 441/ 26883. و قد عرفت في الحديثين الواردين قبل قليل: الرقم (3) و (5) أنّ الذين شهدوا له هم أصحابه الباثّين لاجتهاداته لا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

ص: 49

طلحة والزبير وعلياً وسعداً فشهدوا له (1) 109. هذا مع أنّ الصحابة لم يكونوا بحاجة لتعلّم الوضوء، لوضوحه عندهم، فضلًا عن أنّ المذكورين هم من المعارضين لعثمان في فقهه- وبعضهم في وضوئه وفقهه- فكيف شهدوا له؟! فهذه الأحاديث تدل على قوة المعارضة المحدّثة، وضعف موقف عثمان في وضوئه الجديد.

د- إنّ عثمان كان يذيّل وضوءاته الثلاثية الغسلية بجمل ثابتة عن النبي صلى الله عليه و آله لينتقل منها- طبق الرأي والاستحسان- إلى تقرير وضوئه الجديد، أي أنّه كان ينتقل من معلوم إلى مجهول يراد إثباته، فهو يذيّل وضوءه تارة بقوله: «من توضأ فأحسن الوضوء ثمّ صلّى ركعتين كان من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (2) 110، وأخرى بقوله: «من توضأ فأحسن الطهور كُفّر عنه ما تقدم من ذنبه» (3) 111.

ويذهلنا ثالثة حين يقول: واللَّه لأحدِّثنكم حديثاً، واللَّه لو لا آية في كتاب اللَّه ما حدّثتكموه... إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «لا يتوضأ الرجل فيحسن وضوءه ثمّ يصلي إلّاغُفر له ما بينه وبين الصلاة التي


1- انظر: كنز العمال 9: 447/ 26907. و هذه الرواية رواها أبو النضر سالم بن أبي أمية، و هو لم يسمع عن عثمان و لكنّه كان يُرسِلُ، كما صرح بذلك ابن أبي حاتم و الهيثمي و الدارقطني. (انظر: تهذيب التهذيب 3: 432، ومجمع الزوائد 1: 229، و علل الدارقطني 3: 17). فيبدو أنّ هذا الرجل وضع هذا الحديث خدمةً لعثمان و الأمويين
2- كنز العمال 9: 447/ ح 26907
3- كنز العمال 9: 424/ ح 26800

ص: 50

تليها»، قال عروة: الآية «إنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّناتِ وَ الهُدى»... إلى قوله «الّلاعِنُونَ» (1) 112.

فهل إنّ الوضوء وإحسانه يستدعي كل هذا الخوف والإحجام لولا آية في كتاب اللَّه؟ مع أنّ عشرات الصحابة رووا هذا المضمون- أي استحباب إحسان الوضوء- عن النبي صلى الله عليه و آله! وسيتبين لك كيف أن الأمويين عبر أم المؤمنين عائشة وأبي هريرة استغلوا مفهوم إحسان الوضوء وربطوه بإسباغه وبقوله صلى الله عليه و آله: ويل للأعقاب من النار، ثمّ أرادوا له أن يفيد الغَسل لا غير، حيث إنهم كانوا قد فسّروا الإسباغ بتثليث غسل الأعضاء، كما فسروا جملة (ويل للأعقاب من النار) بغسل الأرجل.

ه- ضحكات وتبسّمات عثمان عند الوضوء، فإنّه كان يضحك عندما يأتونه بماء للوضوء ويقول: ألا تسألوني ممّ أضحك؟ ثمّ يجيب معلِّلًا تارةً بأنّه رأى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضأ وضوءه (2) 113، وأخرى بأنّه لغفران ذنوب


1- صحيح مسلم 1: 206/ ح 6. و الآية: 159 من سورة البقرة. و مثل ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده 1: 67 بسنده عن حمران مولى عثمان، قال: كان عثمان يغتسل كل يوم مرّة منذ أسلم، فوضعت وضوءاً له ذات يوم للصلاة فلمّا توضّأ قال: إنّي أردتُ أن أحدّثكم بحديث سمعته من رسول اللَّه ثم بدا لي أن لا أحدّثكموه، فقال له الحكم بن أبي العاص: يا أميرالمؤمنين، إن كان خيراً فنأخذ به أو شرّاً فنتّقيه، قال: فقال: فإني محدّثكم به؛ توضّأ رسول اللَّه هذا الوضوء ثم قال: من توضّأ هذا الوضوء فأحسَنَ الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتمّ ركوعها و سجودها كفّرت عنه ما بينها و بين الصلاة الأخرى..
2- انظر: كنز العمال 9: 436/ 26863

ص: 51

و حطِّ خطايا المتوضي (1) 114، وثالثة بأنه لغفران ذنوب من توضّأ وضوءه ثمّ دخل في صلاته (2) 115، ورابعة بأنه ضحك وسأل أصحابه عن سرّ ضحكه لأنّه رأى النبي صلى الله عليه و آله- قريباً من مكانه- قد ضحك وسأل أصحابه عن سرّ ضحكه (3) 116، ثمّ علل سبب الضحك تارة بأنّ الوضوء الغسلي وحده، وتارة بأنه مع الصلاة، سببٌ لحطِّ الذنوب.

وهذه العنايات كلّها تدل على أنه كان يريد أن يضيف شيئاً إلى النبي صلى الله عليه و آله بشتّى الحجج، وإلّا فلماذا لم تنقل تلك التبسمات والضحكات بهذه الكثرة عن غيره عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في نقلهم لوضوئه المسحي؟! ولماذا لم يضحك لغير ذلك التعليم؟!

و- إن جميع وضوءات عثمان البيانية هي ثلاثية الغسلات، ولم يأت عنه خبر في باب الوضوء مرّة ومرتين، مع ورود أخبار عن عمر وعلي وابن عباس وجابر وغيرهم فيه.

فهل كان عثمان يرى عدم إجزاء المرّة والمرتين؟!


1- انظر: كنز العمال 9: 442/ 26886 (حم و البزار حل 4 و صحح). و مسند أحمد 1: 58 و 61
2- انظر: كنز العمال 9: 439/ 26872 (كر)
3- فعن حمران، قال: كنت عند عثمان، فدعا بوضوء فتوضّأ، فلمّا فرغ قال: توضّأ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما توضّأتُ، ثمّ تبسَّم و قال: أتدرون مِمَّ ضحكتَ؟ قلنا: اللَّه و رسوله أعلم. قال: إن العبد المسلم... كنز العمال 9: 439/ ح 26872. و قد علمت أنّ عثمان اختلق هذا التبسّم و نسبه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليبرّر ضحكاته الوضوئية

ص: 52

أم أنّ تثليثه كان يستبطن أمراً جديداً؟! وهو التأكيد على الوضوء الثلاثي الجديد واعتباره هو الإسباغ فقط- والذي طوره عثمان من بعد حتّى صار يغسل رجليه، وطوّره معاوية فغسل رأسه- وبذلك فلم يكن للمسح حكم في المذاهب الأربعة لا في الرأس ولا في القدمين لتجويزهم الغسل بدله فيها (1) 117.!!

ويؤيد ما قلناه ما رواه عبداللَّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال- بعد أن توضأ الوضوء الثلاثي الغسلي-: فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم (2) 118، فهل يُعقَل أن يكون من توضأ مرّة أو مرتين قد أساء و ظلم، مع ثبوت ذلك الوضوء عن النبي صلى الله عليه و آله وكبار الصحابة؟!

يبدو أنّ عثمان ومتابعيه أرادوا التأكيد على الثلاثي فقط وفقط واعتباره هو الإسباغ المقصود دون غيره.

ز- إنّ وضوءات عثمان تحمل في طياتها إشارات تشير إلى إحداثه، وتعدّيه في الوضوء.

منها: قوله: رأيت النبي صلى الله عليه و آله يتوضأ نحو أو مثل وضوئي هذا (3) 119، وقوله: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضأ وضوئي هذا (4) 120، ولا تراه يقول مثلًا:


1- انظر في ذلك الفقه على المذاهب الاربعة للجزيرى 1: 57- 62 مثلًا
2- سنن أبي داود 1: 33/ ح 135. وانظر: سنن البيهقي 1: 79 وسنن ابن ماجة 1: 146/ ح 422. وانظر تعليق السيوطي على هذا الحديث في هامش النسائي 1: 88
3- صحيح البخاري 1: 51، سنن أبي داود 1: 106، سنن البيهقي 1: 48، سنن النسائي 1: 64 و 65، سنن الدار قطني 1: 83/ 14، صحيح مسلم 1: 205
4- سنن النسائي 1: 65، سنن البيهقي 1: 48

ص: 53

توضأت كما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتوضأ، أو نحو أو مثل وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهذه الجمل لها دلالة نفسية على جعل وضوئه هو الميزان والقول الفصل.

ومنها: انحصار القبول وغفران الذنوب بالوضوء الثلاثي- خصوصاً مع عدم نقله للوضوء الثنائي والأحادي الغسلات، رغم ورود ذلك عن جم غفير من الصحابة والتابعين- فهو يشير إلى تبنّي عثمان للوضوء الثلاثي الغسلي لا غير.

ومنها: وجود جملة «لا يحدّث نفسه بشي ء» (1) 121 في وضوءاته، والتي احتملنا كونها جاءت لتزكية نفسه و إبعاد الشبهة عنه، إمعاناً في إضفاء المشروعية على وضوئه.

ومنها: عدم تكلّم عثمان في أثناء وضوئه، ليطبع عليه طابع الهالة والقدسية، حتّى أنّه لم يكن يردّ سلام المسلِّم في أثناء وضوئه، معلِّلًا ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه و آله من أنّ من توضّأ وتشهّد ولم يتكلّم بينهما غفر له ما بين الوضوءَين، مع أن ردّ السلام واجب وليس هو كسائر الكلام- على فرض صحة رواية عثمان (2) 122-.


1- ففى سنن النسائى (المجتبى) 1. 65 و سنن البيهقى 1. 48 عن حمران انه انه راى عثمان توضا وضوء الجديد ثم قال رايت رسول الله (ص) توضا وضوئى هذا ثم قال (عثمان) من توضا مثل وضوئى هذا ثم قال فصلى ركعتين لا يحدث نفسه بشى ء غفرالله ما تقدم من ذنبه و انظر قول عثمان هذا فى سنن الدارمى 1. 176
2- انظر: كنز العمال 9: 442/ 26887 و 26885 و 26888، و سنن الدارقطني 1: 92/ ح 5

ص: 54

كل تلك الأدلة والقرائن والشواهد جعلتنا نطمئنّ إلى أن عثمان كان هو البادئ بالخلاف، و الآتي بالوضوء الثلاثي الغسلي الجديد.

عثمان والإحداث

بقي علينا أن نوضّح السبب- أو الاسباب- التي دعت عثمان إلى إحداث هذا الوضوء الثلاثي الجديد، وللإجابة عن ذلك رأينا أوّلًا أن ننظر في سبب مقتله، لأننا توصلنا إلى أنّ السبب الأكبر الذي دعا قاتليه إلى قتله هو إحداثاته في الدين، لا مجرّد تصرّفاته وسوء سياسته المالية والإدارية، وذلك من خلال ملاحظة القضايا الرئيسية التالية:

1- إن طلحة والزبير كانا من أوائل المؤلّبين عليه والمفتين بقتله، مع أنّ عثمان أغدق عليهما الأموال بشكل عجيب (1) 123، وكذلك الأمر بالنسبة لعبد الرحمن بن عوف (2) 124، مضافاً إلى وعد عثمان إياه بالخلافة (3) 125، وهكذا


1- فقد وهب لطلحة خمسين الفاً كما في الطبري 4: 405، ووصله بمائتي الف وكثرت مواشيه و عبيده، وقد بلغت غلته من العراق وحدها الف دينار يومياً، ولمّا مات كانت تركته ثلاثين مليوناً من الدراهم، وكان النقد منها مليونين ومائتي الف درهم ومائتي الف دينار. وانظر في أموال الزبير وضخامتها كتاب: الفتنة الكبرى 1: 147
2- كانت أموال ابن عوف الف بعير و مائه فرس و عشرة آلاف شاة و أرضاً كانت تزرع على عشرين ناضحاً. انظر: مروج الذهب 2: 333
3- حيث قال له الإمام علي يوم السقيفة: واللَّه ما فعلتها إلّالأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما يعني عمر من صاحبه يعني أبابكر دق اللَّه بينكما عطر منشم، شرح نهج البلاغة 1: 188

ص: 55

كان عثمان يغدق الأموال على باقي الصحابة- إلّانفراً يسيراً- فمن غير المنطقي أن يقتلوه لإيثاره أقرباءه فقط مع حصولهم على نصيب وافر من المال، بل هناك أسباب دينية وابتداعات جعلتهم يقتلونه- ربّما يكون بعضها في الأشياء الكثيرة التي كره الطبري ذكرها (1) 126، وربّما كانت من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله، والتي ترك ابن الأثير ذِكرَ كثيرٍ منها (2) 127.

2- إنّ سياسة عثمان الماليّة الطبقية كانت تستوجب عزله لا قتله (3) 128، وبما أنّ الصحابة بين قاتل وخاذل له- حسب تعبير ابن عمر (4) 129- كان لابدّ من وجود سبب مبيح لدمه، ولعله الإحداث في الدين لا في التصرفات الخارجية حَسْبُ.

3- وجود مبتدعات دينية فقهية يقينية صدرت من عثمان بن عفان،


1- انظر تاريخ الطبري 4: 557، حيث قال في سبب الخلاف بين عثمان و أبي ذر الغفاري و موته غريباً بالربذة: فإنّهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة، و أموراً شنيعة كرهتُ ذكرها!!!
2- انظر: الكامل في التاريخ 3: 167، حيث قال: قد ذكرنا سبب مسير الناس إلى قتل عثمان، و قد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك!! ترى ماهي العلل التي كره ابن الأثير ذكرها؟
3- الكامل في التاريخ 3: 167
4- انظر: شرح نهج البلاغة 3: 8

ص: 56

احتج عليها الصحابة كلٌّ بطريقته، لكنّ عثمان لم يرتدع عنها، كإتمام الصلاة بمنى (1) 130، وكزيادته النداء الثالث في يوم الجمعة في السنة السابعة من عهده وقد كان «الناس» عابوا عليه ذلك وقالوا: بدعة (2) 131، وكتقديمه الخطبة على الصلاة في العيدين (3) 132، وغيرها، مما يؤكد صدور الابتداع عن عثمان في بعض المسائل الفقهية، فلا غرابة في أن يسرّي ذلك إلى مفردات ومسائل أخرى كالوضوء.

4- إنّ تصرفات عثمان و إحداثاته العملية كانت تستتبع إحداثات علمية ودينية، يكمن وراءها الخطر على الإسلام وأحكامه، فعدم إقامته الحدّ على الوليد بن عقبة يعني إبطال الحدود وتوعّد الشهود (4) 133.

ومثله تأييده لنظرة سعيد بن العاص في أن السواد بستان لقريش وبني أمية، فإنّها تعني إبطال قانون توزيع الفي ء الذي يفيئه اللَّه على المسلمين بأسيافهم (5) 134.

وإعطاء فدك وخُمس أفريقية لمروان (6) 135، يعني سحق قانون الميراث إن كانت فدك للنبي صلى الله عليه و آله ومن بعده لورثته، أو تدمير قانون الفي ء إن كانت فيئًا


1- انظر كلام ابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 199- 200
2- أنساب الاشراف 5: 39، المنتظم 5: 7-/ 8
3- فتح الباري 2: 361، نيل الأوطار 3: 362، تاريخ الخلفاء: 164-/ 165
4- انظر: أنساب الأشراف 5: 34، الإمامة والسياسة 1: 37، صحيح مسلم 3: 1331/ ح 38
5- شرح النهج 3: 21 و 35، الكامل في التاريخ 3: 137-/ 141، تاريخ الطبري 4: 322-/ 323
6- انظر: المعارف: 112، وأنساب الاشراف 5: 25، والإمامة والسياسة 1: 35

ص: 57

للمسلمين، وهكذا باقي إحداثاته.

5- والّذي يؤكّد ذلك، هو النصوص التي صدرت عن الصحابة المعاصرين لتلك الإحداثات والإبداعات، والتي تدل على إحداثاته في الدين.

كقول طلحة لعثمان: إنك أحدثت أحداثاً لم يكن الناس يعهدونها (1) 136، وقوله له أيضاً: إن الناس قد جمعوا لك، وكرهوا البدع التي أحدثت (2) 137.

وكقول الزبير في حقّه: اقتلوه فقد بدّل دينكم (3) 138.

وكقول عبداللَّه بن مسعود: ما أرى صاحبكم إلّاوقد غيّر وبدّل، وفي آخر عنه: إنّ أصدق القول كتاب اللَّه، وأحسن الهدى هدى محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (4) 139، وفي ثالث: إنّ دم عثمان حلال (5) 140.

وقول عمار في خطبة له بصفين: فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين: لِمَ قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه.. (6) 141.

وقوله لعمرو بن العاص: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه (7) 142.


1- أنساب الأشراف 5: 29
2- الفتوح 1: 35
3- شرح النهج 9: 36
4- حلية الأولياء 1: 138، أنساب الاشراف 5: 36، شرح النهج 3: 42
5- أنساب الاشراف 5: 36
6- صفين: 319
7- صفين: 338، شرح النهج 8: 22

ص: 58

وقول سعد بن أبي وقاص في قتل عثمان: وأمسكنا نحن، ولو شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غيَّر وتغيَّر (1) 143.

وقول هاشم المرقال: أحدث الأحداث وخالف حكم الكتاب (2) 144.

وقول الأشتر: إنّ عثمان قد غيّر وبدّل (3) 145.

وقول عائشة، وقد أخرجت قميص رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: هذا قميصه وشعره لم يَبلَ وقد بَلِيَ دينهُ (4) 146! وقولها: هذا ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته (5) 147! وقولها مشبّهة له برجل من اليهود: اقتلوا نعثلًا فقد كفر (6) 148.

وقول علي عليه السلام في يوم الشورى: أما إنّي أعلم أنّهم سيولّون عثمان، وليحدثنّ البدع والأحداث (7) 149 بل كتَبَ أصحابُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعضهم إلى بعض أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد (8) 150. فَعَدُّوا قتال عثمان جهاداً، ولايستقيم ذلك إلّالحفظ الدين من التحريف والتلاعب.

وعرف المسلمون جميعاً ابتداعات عثمان، الّتي أراد أن يتلافاها بمثل


1- الامامة و السياسة 1: 48
2- تاريخ الطبري 5: 43
3- انساب الاشراف 5: 45، الامامة و السياسة 1: 38
4- المختصر في أخبار البشر 1: 172
5- شرح النهج 3: 9
6- الفتوح 1: 64
7- تاريخ الطبري 4: 230
8- تاريخ الطبري/ حوادث سنة 34 ه

ص: 59

توسعته للمسجد الحرام، فقالوا: يُوسِّع مسجدَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ويغيرّ سنّته (1) 151.

بل منعوا من دفنه في مقابر المسلمين (2) 152، حتّى دُفن ليلًا في حشّ كوكب- وهي من مقابر اليهود (3) 153- وتحت الخوف، إذ حملوه على باب وإنّ رأسه على الباب ليقول «طق طق» (4) 154، و أراد الذين دفنوا عثمان أن يُصَلُّوا عليه فَمُنِعُوا (5) 155.

وهذا لا يكون من الصحابة والناس والمسلمين إلّابعد فراغهم عن انحرافات عثمان وابتداعاته الدينية لا مجرّد سوء تصرّفاته، وتدهور الاقتصاد واختلال النظام الإداري.

فمن كل هذا نعلم أنّ عثمان كان ذا جنوح إلى الإحداث والتغيير، فلا غرابة في أن يطرح رأياً وضوئياً جديداً كما طرح آراءً من قبل في منى وصلاة الجمعة وصلاة العيدين وغيرها، مضافاً إلى أنّ هناك عوامل تربوية ونفسية وسياسية واجتماعية أخرى حَدَت به إلى الإبداع الوضوئي، والنزوع إلى تثليث الغسلات، وغسل الممسوحات من بعد،


1- أنساب الاشراف 5: 38
2- في تاريخ الطبري 3: 440 «فقالوا نفر من الأنصار: لا واللَّه لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً. فدفنوه في حش كوكب»
3- قال الطبري في تاريخه 3: 438 هو حائط بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم
4- تهذيب الكمال 19: 457. و في تاريخ المدينة لابن شبّة 1: 113 «و حملوه على باب أسمعُ قرع رأسه على الباب كأنّه دبّاءة و يقول: دبْ دبْ»
5- تهذيب الكمال 19: 457

ص: 60

منها:

لماذا الإحداث في الوضوء؟

1- إنّ عثمان كان يرى لنفسه أهليّة التشريع، كما كانت من قبل للشيخين، فإنّه ليس بأقل منهما شأناً، فلماذا يجوز لهما الإفتاء بالرأي ولايجوز له؟! مع أنّهم جميعاً من مدرسة واحدة هي مدرسة الاجتهاد، وكلّ منهم خليفة!!

2- إنه كان من المتشدّدين بظواهر الدين تشدّداً منهيّاً عنه، حتّى أنّه عند بناء مسجد النبي صلى الله عليه و آله كان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه، فإذا أصابه شي ء من التراب نفضه، وذلك كلّه لأنّه كان رجلًا نظيفاً متنظّفاً (1) 156، مع أنّ عماراً كان على ضُعفه يحمل لبنتين.

وكان عثمان يغتسل كل يوم مرة (2) 157، ولا يردّ سلام المؤمن إذا كان في


1- انظر: العقد الفريد 5: 90 عن أمّ سلمة
2- عن حمران مولى عثمان انه قال: كان عثمان يغتسل كل يوم مرة منذ أن اسلم (مسند احمد 1: 76، خصائص الصحابة لاحمد 1: 466). و قال ابن حزم في المحلى 2: 16: فقد ثبت بأصح اسناد أن عثمان كان يغتسل كل يوم، فيوم الجمعة يوم من الايام بلا شك. و قد يستظهر من رواية مسلم 1: 207 ح 231 أنه كان يغتسل كل يوم خمس مرات حيث جاء في اول الخبر: قال حمران: كنت أضع لعثمان طهوره، فما اتى يوم إلا و هو يفيض عليه نطقه... و فسروها بأنه كان يغتسل كل يوم، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 3: 115 «و مراده لم يكن يمر عليه يوم إلا اغتسل فيه، و كانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطهر» فلو كان معنى صدر الحديث الاغتسال فان ذيل الحديث يؤكد تطهره. و اغتساله خمس مرات لقوله صلى الله عليه و آله: ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب اللَّه عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات بينها، إذ انهم و توحيداً لصدر الرواية مع ذيلها كان عليهم ان يقولوا باغتساله خمس مرات في اليوم لكنهم حملوا ذيل الخبر على الوضوء و صدره على الغسل

ص: 61

حالة الوضوء (1) 158، وقال هو عن نفسه بأنّه لم يمدّ يده اليُمنى إلى ذَكَره منذ بايع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (2) 159، وغيرها من حالاته التي تنمّ عن نفسية مهيّأة للتزيّد والمبالغة في التنظف.

3- استفادة عثمان من كون الوضوء نظافة وطهارة، فلذلك يكون عنده تثليث الغسلات وغسل الممسوحات أكثر نظافة وطهارة، ولا غضاضة في ذلك من وجهة نظره و إن خالفت السنّة النبوية.

4- وجود أحاديث نبويّة أمكنه الاستفادة منها في طرح وضوئه الغَسلي، كاستفادته من إحسان الوضوء، لأنّه كان قد قال بعد وضوئه الغسلي: «واللَّه لأحدثنكم حديثاً، واللَّه لولا آية في كتاب اللَّه ما حدثتكموه... إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لايتوضأ رجل فيحسن وضوءه، ثمّ يصلي إلّاغُفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها» (3) 160. واستُفيد من بعده من


1- سنن الدارقطني 1: 96، كنز العمال 9: 443/ ح 26888
2- قال: ما مسستُ ذَكَري بيميني مذ بايعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله!! سنن ابن ماجة 1: 113، المحلى 2: 79، تاريخ دمشق 39: 225
3- صحيح مسلم 1: 206/ ح 6

ص: 62

«أسبغوا الوضوء» ومن «ويل للأعقاب من النار» للتدليل على الغسل.

5- إنّه حين الثورة عليه كان يحاول تكثيف هالة القدسية حول نفسه ليدفع الثوار عن قتله، فكان يذكّرهم مواقفه وشراءه بئر رومة و غير ذلك (1) 161؛ ليثبّت بقاءه على الإيمان، فكان الوضوءُ الجديدُ خطوةً في هذا الدرب، إرادةً منه معالجة الموقف، لكنه عالج الداء بالداء، لا بالدواء.

6- كان يحاول إشغال الناس بالخلافات الفقهية، والمناقشات فيها، لدفعهم عن قتله وعن الخوض في مساوئ سياسته المالية والإدارية، وذلك ما حصل بالفعل في كثير من آرائه، إلّاأنّ النتيجة لم تكن محمودة العاقبة بالنسبة له، ولذا قال الإمام علي بأنّ عمله هو الذي أجهز عليه (2) 162.

7- ومن أهم دوافع إبداعاته هو التفاف الأمويين حوله، محاولين بناء مجد فقهي سياسي جديد، وهذا هو الذي أبعد بعض كبار الصحابة كابن مسعود و ابن عباس و... من التعاون معه، مما خلق عنده فراغاً فقهياً ملأه الدهاء الأمويّ المتنفّد في عهده.

8- وجود حالة الاستسلام عند كثير من الصحابة، والتي جعلت الخليفة لا يتورّع عن طرح ما يرتأيه، لأنّ غاية معارضتهم أن تنتهي


1- انظر: تاريخ الطبري 3: 415 و 434، و البداية و النهاية 7: 198 و 200
2- قال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصف حكومة عثمان: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيلة و معتلفة، و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللَّه خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، و أجهز عليه عمله... نهج البلاغة 1: 35/ الخطبة 3

ص: 63

بمجرد قوله: «رأي رأيته» (1) 163، أو بقولهم: «الخلاف شر» (2) 164، و «إنّ عثمان إمام فما أخالفه» (3) 165، ممّا يعني رسوخ ما يطرحه الخليفة في نهاية المطاف.

9- تفشّي حالة الاجتهاد، وتلقّيها بالقبول من قبل كثير من الصحابة، مما أهّلهم لاستقبال ما يطرحه عثمان كرأي مقبول، وقد تفشت هذه الحالة نتيجة اجتهادات وآراء عمر بن الخطّاب بشكل كبير جداً، ومن قبله آراء أبي بكر.

فمن كل هذه الأمور- وأمور جزئية أخرى يتلمّسها الواقف على حياة عثمان بوضوح- وجدنا هذه المبررات هي التي دفعت عثمان لابتداع الوضوء الثلاثي الغسلي الجديد، الذي لم يرتضه الصحابة المتعبدون!!

علي عليه السلام والوضوء

ولمّا تولّى الإمامُ عليّ الخلافة راح يبين الوضوء النبويّ للمسلمين، ويعرِّض ويشير إلى إحداث عثمان في الوضوء النبوي، ونستطيع أن ندرج


1- مرّ عليك أنّ الصحابة حينما ناقشوه في إبداعه إتمام الصلاة بمنى و سدّوا عليه أبواب الذرائع اكتفى بقوله لهم: «هذا رأي رأيته»
2- قيل لعبداللَّه بن عمر بن الخطاب: عبتَ على عثمان صلاته أربعاً بمنى ثم صلَّيتَ أربعاً؟! قال: الخلافُ شرّ!!. سنن البيهقي 3: 144
3- قيل لعبداللَّه بن مسعود: ألم تحدّثنا أنّ النبي صلى ركعتين، و أبابكر صلى ركعتين أي بمنى؟ فقال: بلى، و أنا أحدّثكموه الآن، و لكن عثمان كان إماماً فما أخالفه، و الخلاف شرّ. سنن البيهقي 3: 144

ص: 64

خطواته في بيان الوضوء النبوي في المندرجات الآتية:

10- إنّ الثابت المحفوظ عن الإمام عليّ في كتب الفقه (1) 166 والتفسير (2) 167 والحديث (3) 168 هو الوضوء الثنائي المسحي، يتبعه في ذلك صحابة كُثر على رأسهم ابن عباس والطالبيون وأنس بن مالك.

11- كان الإمام علي يشير إلى الإحداث الذي طال الوضوءَ، بمثل قوله بعد الوضوء المسحي وشربه من فضلته: «إن أناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث» (4) 169، وقوله: «وهذا وضوء من لم يُحْدِث»، و «رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فعل هكذا» (5) 170، فهو يؤكّد وجود الُمحْدِثين في الوضوء، ولم يكن قبله محدِثٌ في الوضوء إلّاعثمان كما علمت.

12- قوله عليه السلام: قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه... مغيّرين لسنته... أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته


1- انظر: فتح الباري لابن حجر 1: 213، المحلى لابن حزم 1- 2: 56/ المسألة 200، نيل الأوطار للشوكاني 1: 209، المغني لابن قدامة 1: 151/ المسألة 175، عمدة القاري للعيني 2: 21
2- انظر: الطبري في تفسيره 6: 86 و الجصاص في احكامه 2: 346- 347 و ابن كثير في تفسيره 2: 45
3- انظر: ما رواه عبد خير عنه في مسند الحميدي 1: 26/ ح 47 و مسند احمد 1: 95، 116، 124، 148 و مسند الدارمي 1: 181، و ما رواه النزال بن سيرة عنه في مسند ابى دواد الطياسي: 22/ ح 148 و غيرها
4- مسند أحمد 1: 153، و انظر: مسند أحمد 1: 144، سنن البيهقي 1: 75
5- مسند أحمد 1: 12. و لا يخفى عليك أنّ المقصود بالإحداث هو الإحداث في الدين؛ أي الإحداث في الوضوء النبوي

ص: 65

إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، إلى أن يقول: ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها (1) 171.

وهذا النص- بعد الفراغ عن عدم إبداع الشيخين في الوضوء- يكاد يكون صريحاً في إبداع عثمان للوضوء الثلاثي الغسلي؛ لأنّه عليه السلام صرح بابتداع الولاة من قبله، ولمّا كان الشيخان براء من بدعة الوضوء بقي عثمان هو المقصود في كلام الإمام لا محالة.

13- كتابة الإمام علي كيفية الوضوء لواليه محمد بن أبي بكر في جملة ما كتبه إليه، وكان في كتابه عليه السلام «تمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثاً، واغسل وجهك، ثمّ يدك اليمنى، ثمّ اليسرى، ثمّ امسح رأسك ورجليك...

فإني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يصنع ذلك» (2) 172.


1- الكافي 8: 59-/ 62
2- انظر: أمالي المفيد المطبوع في جملة مصنفاته 13: 267، أمالي الطوسي: 29 بإسناد في ضمنه الثقفي صاحب الغارات، و قد حُرف النص المتقدم في كتاب الغارات المطبوع (1: 251- 254) و قد بيناه في مدخل الدراسة. و مما يحب الاشاره إليه هو وجود نص يؤكد على تحريف معاوية للنصوص، مذكور في آخر النص الانف: في الغارات «ان معاوية كان ينظر في هذا الكتاب و يعجبه... فقال له الوليد: انه لا راى لك، فامن الراى أن يعلم الناس أن احاديث ابي تراب عندك تتعلم منها و تقضى بقضاءه؟ فعلام تقاتله؟... فقال معاوية: لولا أن ابا تراب قتل عثمان ثم افتانا لاخذنا عنه ثم سكت هنيه ثم نظر الى جلسائه فقال: إنا لا نقول ان هذه من كتب على بن ابي طالب و لكنا نقول ان هذه من كتب ابي بكر الصديق كانت عنه ابنه محمد فنحن نقضي بها و نفتي» و في شرح النهج 6: 73 و بحار الانوار: فلما بلغ على بن ابي طالب ان ذلك الكتاب صار الى معاوية اشتد عليه حزنا و تمثل باشعار..

ص: 66

14- تنبيه وإشارة الإمام علي- في جملة أحاديثه الوضوئية- إلى أن مبعث الإحداث في الوضوء هو الاجتهاد والرأي، وأنّ الوضوء- بل الدِّين- لا يُدرك بالرأي، فكان يقول: «لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أحقّ بالمسح من ظاهرها، لكن رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مسح ظاهرها» (1) 173، ويقول: «كنت أرى أنّ باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتّى رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يمسح ظاهرهما» (2) 174.

فهو يقرر أنّ الدين- ومنه الوضوء- لا يدرك بالرأي كما يتصوره البعض، وإلّا لكان باطن القدم أحقّ بالمسح، فكيف يُعدَلُ عنه إلى غسل الظاهر والباطن بمحض الرأي والاجتهاد؟!

15- كانت وضوءات الإمام عليّ البيانية- وكذلك ابن عباس وأنس بن مالك- تحمل في ثناياها أدلّة من الكتاب والسنة، وليست ادعاءات محضة لرؤية الوضوء النبوي، لأن قول علي: «لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أحق بالمسح من ظاهرها. لكن رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يمسح على أعلى قدميه» (3) 175، وما شاكله يتضمّن دلالة الكتاب على المسح؛ لأنّه أرسله إرسال المسلمات طبق أصل تشريعه وهو آية الوضوء الظاهرة في مسح القدمين، ثمّ دَحضَ الرأي الذي لو سُلّم لكان الباطن أحق بالمسح، وعلى التقديرين فالمسح هو المشروع، وبعد كلّ ذلك أكّد الإمام علي بن أبي طالب رؤيته النبي صلى الله عليه و آله وهو يمسح أعلى قدميه.


1- المصنف 1: 30/ ح 6
2- سنن أبي داود 42: ح 164
3- تأويل مختلف الحديث 1: 56

ص: 67

وكذلك ابن عباس كان يقول: «لا أجد في كتاب اللَّه إلّاغسلتين ومسحتين» (1) 176.

وكان أنس بن مالك- خادم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- يعارض رأي الحجاج الذاهب إلى غسل القدمين- بحجة أنّه أقرب شي ء للخبث- بقوله:

صدق اللَّه وكذب الحجاج، قال تعالى: «وَ امسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَ أَرجُلَكُم» (2) 177.

والمقصود الأوّل هنا هو تدليلات الإمام علي بالكتاب والسنة ودحض الرأي، وهذا بخلاف وضوءات عثمان المدعية لمحض الرؤية والمتشبّثة بما لا يمتّ إلى أصل أفعال الوضوء بصلة، فكأنّ الإمام عليّاً أراد أن يشير إلى اجتهاد عثمان في الوضوء ودحضه.

16- وبعد هذا كله فإنّنا لا نرى في وضوءات الإمام علي ولا ابن عباس ولا أنس ولا غيرهم من الماسحين تلك الضحكات والتبسمات، ولا إشهادات الخائف الطارح لفكر جديد، ولا تبرّعات بالتعليم لمجرّد سماع مضمضة، ولا غيرها مما ذكرناه في الوضوءات العثمانية، بل نرى الحالة حالة طبيعية منسجمة مع سير الأمور في تعليم الوضوء النبوي صلى الله عليه و آله


1- السنن الكبرى، للبيهقي 1: 72، مسند أحمد 6: 358. و قال ابن عباس بسند صحيح على شرط البخاري: الوضوء غسلتان و مسحتان. انظره في مصنف عبدالرزاق 1: 19/ ح 55
2- تفسير الطبري 6: 82، تفسير ابن كثير 2: 44، تفسير القرطبي 6: 92. و كان أنس بن مالك يقول: نزل القرآنُ بالمسح. انظر ذلك في تفسير ابن كثير 2: 44، و الدر المنثور 2: 262

ص: 68

الصحيح، ودحض الوضوء الجديد النابع من الرأي؛ اذ كانت نصوصهم تحوي النفي والإثبات معاً.

الأمويون والوضوء

ولمّا استشهد الإمام علي وصالح الإمامُ الحسنُ معاويةَ، تولّى الأخير السلطة، فراح يترسّم خطى عثمان فقهياً ويدعمه عقائديًّا، ويتبنّى آراء ابن عمه، كما حدث ذلك عندما صلّى الظهر في مكّة ركعتين، فنهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان وقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ممّا عبته به.

فقال لهما: أنّه صلاهما مع النبي صلى الله عليه و آله وأبي بكر وعمر قَصْراً.

فقالا له: إنّ ابن عمك قد كان أتمّهما، وإنّ خلافك إيّاه عيب، فخرج معاوية إلى منى فصلّاها بنا أربعاً (1) 178.

وكذلك تابع عثمانَ في تجويزه الجمع بين الأختين بمِلْك اليمين (2) 179، وكذلك ترك معاوية التكبير المسنون في الصلاة لترك عثمان إيّاه، وترَكَه زيادُ بن أبيه لترك معاوية (3) 180.

ومثله فَعَل في تركه التلبية في الحج (4) 181؛ حيث نصّوا على أنّ النبي صلى الله عليه و آله


1- انظر: مسند أحمد 4: 94، فتح الباري 2: 457، نيل الاوطار 3: 259
2- انظر: الدر المنثور 2: 137، و الموطأ 2: 538/ ح 34
3- انظر فتح الباري 2: 215
4- سنن النسائي (المجتبى) 5: 253، سنن البيهقي 5: 113

ص: 69

وأبا بكر وعمر أهلّوا، ولم يذكروا عثمان (1) 182، هذا إلى غيرها من المفردات الفقهية.

وكذلك كانت خطوات معاوية في تقرير قاعدة «من غلب» بعد أن كان يعتقدها عثمان (2) 183، مضافاً إلى مفاهيم عقائدية ركّزها معاوية يعود

(3) 184


1- انظر المحلى 7: 135-/ 136، فتح الباري 3: 419-/ 420
2- ففي الإمامة و السياسة: 58 قول عبداللَّه بن عمر بن الخطاب لعثمان لمّا ألهب الثوار النار في باب عثمان: يا أميرالمؤمنين، مع من تأمرني أن أكون إن غَلَبَ هؤلاء القوم عليك؟ قال: عليك بلزوم الجماعة، قلت القائل ابن عمر: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك؟ قال: عليك بلزوم الجماعة حيث كانت. و سار معاوية على هذا النهج، ففي تاريخ ابن خلدون 2: 170 إنّ عليّاً بعث رُسُلًا إلى معاوية فقال له أحدهم: فاتق اللَّه يا معاوية ودع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله، فأجابه معاوية و أقذع في سبه و قال: انصرفوا فليس بيني و بينكم إلّاالسيف... و في مصنف ابن ابي شيبة 7: 251، و تاريخ دمشق 59: 150، و البداية والنهاية 8: 140، و مقاتل الطالبيين: 45، و شرح النهج 16: 46 قول معاوية في خطبته بالنُخيلة يوم الجمعة: إني و اللَّه ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكّوا- إنكم لتفعلون ذلك- و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم. لماذا الاختلاف في الوضوء ومن هو وراء الكواليس ؛ ؛ ص69 و سار عبداللَّه بن عمر على هذه القاعدة، قال القاضي أبويعلى في الأحكام السلطانية: 7- 8 «في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم و مع هذا قوم، تكون الجمعة مع مَن غلب، و احتجّ بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحَرّة و هي التي انتهك فيها جيش يزيد مدينة الرسول و هتك الأعراض وقال: نحن مع مَن غلب. انتهى. و قال ابن عمر: لا أقاتلُ في الفتنة، و أصلّي وراء مَن غلب. طبقات ابن سعد 4: 149
3- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، لماذا الاختلاف في الوضوء و من هو وراء الكواليس، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

ص: 70

نفعها لتثبيت أركان الحكم الأموي وعلى رأسه أفكار عثمان، والّذي يهمنا هو تبنّيه لفقه عثمان، وتأثير ذلك على الوضوء.

لقد سار الفقه الأموي على خطى عثمان، فراح يستفيد من «أسبغ الوضوء» و «ويل للأعقاب من النار» لترسيخ الوضوء العثماني.

1- فقد دخل عبدالرحمن بن أبي بكر على عائشة يوم توفّي سعد بن أبي وقاص سنة 55 ه فتوضأ عندها، فقالت له: يا عبد الرحمن، أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: ويل للأعقاب من النار (1) 185.

فلاحظ كيف عدلت عائشة عن قول النبي صلى الله عليه و آله «أسبغوا الوضوء»- مع أنّ المقام يقتضي الاستدلال به (2) 186 إلى الاستدلال ب «ويل للأعقاب من النار»، وهذا العدول يكمن وراءه ادّعاء أم المؤمنين- ومن ورائها الأمويون، وعثمان من قبل- دلالةَ «ويل للأعقاب» على الوضوء الغسلي، كما ترسّخ ذلك الفهم حتّى اليوم عند أتباع مدرسة الاجتهاد والرأي.

ومحصّل الكلام أنّ هذا النصّ يوقفنا على الاختلاف بين وضوء عبدالرحمن والوضوء الذي أرادته أم المؤمنين عائشة، وحيث عرفنا أن عائشة بقولها السابق أرادت التدليل على الغسل، عرفنا من مفهوم المخالفة أن عبدالرحمن كان يذهب إلى المسح على القدمين.

وجاء أبو هريرة ليصنع نفس صنيع أمِّ المؤمنين، وذلك أنّه رأى قوماً


1- صحيح مسلم 1: 213/ ح 25، الموطأ 1: 19/ ح 5، شرح معاني الآثار 1: 38/ ح 188
2- لكونها قد قالت: يا عبدالرحمن أسبغِ الوضوء

ص: 71

يتوضؤون من المطهرة، فقال: أسبغوا الوضوء، فإنّي سمعت أبالقاسم يقول:

«ويل للعراقيب من النار» (1) 187.

وقد مثّل غير واحد من العلماء (2) 188 للإدراج بحديث أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله «أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار» لكونهما لم يصدرا على هذا النسق من النبي صلى الله عليه و آله، وهذا يدلنا على أنّ أباهريرة كان يريد الاستفادة- كعائشة- من «الويل للأعقاب» أو (العراقيب) للتدليل على الوضوء الغسلي العثماني.

ويتضح ذلك بجلاء فيما اخرجه عبدالرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: لِمَ لا أمسح بالقدمين كما أمسح بالرأس، وقد قالهما جميعاً؟ (3) 189 قال: لا أراه إلّامسح الرأس وغسل القدمين، إنّي سمعت أباهريرة يقول: ويل للأعقاب من النار.

قال عطاء: وإنّ أناساً ليقولون هو المسح، وأمّا أنا فأغسلهما (4) 190.

فها هو يستدل على الغسل بقول أبي هريرة «ويل للأعقاب»، وهذا


1- صحيح مسلم 1: 214-/ 215/ ح 29
2- الحديث المُدْرَج هو ما كانت فيه زيادة ليست منه، و هو نوعان: إدراج في الإسناد، و إدراج في المتن... و إدراج المتن يكون في أول الحديث مثل حديث أبي هريرة «أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار»، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يقلهما معاً في آن واحد بهذا النسق، بل كلٌّ منهما له مورده الخاص، لكنّ أبا هريرة أدرج القسم الأوّل في الثاني. و لا يجوز تعمّد شي ء من الإدراج. انظر مقدمة ابن الصلاح: 76، و تدريب الراوي: 80، و أضواء على السنة المحمدية: 140
3- يعني أن القرآن قالهما معاً
4- المصنف لعبدالرزاق 1: 20/ ح 58

ص: 72

يبيّن لنا حلقات متواصلة في سبيل تثبيت الوضوء الغسلي، فمن عدول عائشة، وإدراج أبي هريرة، واستدلال عطاء، تتبيّن سلسلة التطورات التي استُفيد منها لتقرير وتدعيم الوضوء العثماني.

2- واستمر التدعيم الأمويّ للوضوء العثماني، والإصرار من (نهج التعبد المحض) على بطلان ذلك، لمخالفته للكتاب والسنة.

فقد أخرج ابن ماجة بسنده إلى الربيع بنت معوّذ أنّها قالت: أتاني ابن عباس فسألني عن هذا الحديث- تعني حديثها الذي ذكرت أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله توضأ وغسل رجليه- فقال ابن عباس: إنّ الناس أبوا إلّا الغسل! ولا أجد في كتاب اللَّه إلّاالمسح (1) 191.

وقال الحميدي: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبداللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت المعوذ بن عفراء، أسألها عن وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وكان يتوضّأ عندها، فأتيتها، فأخرجَتْ إليّ إناءً... فقالت:... بهذا كنت أخرج لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيبدأ فيغسل يديه ثلاثاً، قبل أن يدخلهما الإناء، ثمّ يتمضمض ويستنثر ثلاثاً ثلاثاً، ويغسل وجهه ثلاثاً، ثمّ يغسل يديه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ يمسح رأسه مقبلًا ومدبراً، ويغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، قالت: وقد جاءني ابن عمّ لك تعني ابن عباس فسألني عنه فأخبرته.

فقال: ما علمنا في كتاب اللَّه إلّاغسلتين ومسحتين! (2) 192


1- سنن ابن ماجة 1: 156/ ح 458
2- مسند الحميدي 1: 164، ومسند أحمد 6: 358

ص: 73

وهنا نقف على صراع وضوءيين كانا في العصر الأموي.

أ- بين الربيع بنت معوَّذ وبين ابن عباس.

ب- بين الربيع وبين الإمام السجاد وعبداللَّه بن محمدبن عقيل.

فالربيع- وعلى ضوء النصين الآنفين- كانت قد تبنّت الوضوء الغسلي وأصرت عليه، مع معرفتها بأنّ عترة الرسول لا يقبلون بنقلها للوضوء الغَسلي، إذ أن ابن عباس قد استدل على سقم رأيها بالقرآن الكريم، وفي اعتراضه إشارة إلى عدم قبول نسبة الغسل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ تراه رحمه اللَّه- في نص آخر- يستدل على المسح بالرأي إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم؛ لسقوط العضوين الممسوحين في التيمم (1) 193.

وهذا يؤكد الدعم الأموي عبر أقطابه ومحدّثيه للوضوء العثماني الغسلي.

3- ووصل الأمر في الوضوء الغسلي إلى أن يتبناه الحجاج- وهو بعيد عن الدين بُعدَ الأرض عن السماء- ويعلن به من على المنبر.

فقد أخرج الطبري بسنده إلى حميد، قال: قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده: يا أباحمزة، إنّ الحجّاج خطبنا بالأهواز ونحن معه نذكر الطهور، فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم


1- ففي مصنف عبد الرزاق 1: 19/ ح 54 بإسناده عن ابن عباس، قال: افترض اللَّه غسلتين و مسحتين، ألا ترى أنّه ذكر التيمّم فجعل مكان الغسلتين مسحتين، و تَرَكَ المسحتين

ص: 74

وأرجلكم، وأنّه ليس من ابن آدم أقرب إلى خبث من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما... فقال أنس: صدق اللَّه وكذب الحجاج، قال تعالى: «وَ امسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَ أَرجُلَكُم» (1) 194.

وهذا- الإعلان و- الاستدلال من الحجّاج يدلّ على تبني الأمويين للوضوء العثماني من جهة، كما يدلّ على تحكيم الاجتهاد والرأي في الوضوء في جهة مقابلة تماماً لوضوء النبي والإمام علي، ففي حين يؤكد علي بن أبي طالب على أنّ الوضوء لو كان بالرأي لكان باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما، لكنه رأى النبي صلى الله عليه و آله مَسَحَ ظهورَهما، يأتي الحجّاج فيعارضه ويعارض القرآن، مصرّحاً بأنّه لابدّ من غسل باطنهما وظهورهما وعراقيبهما، بحجّة كونهما أقرب للخبث!!

وبعد هذا لا يبقى مجال للشك في تبنّي الأمويين للوضوء العثماني، وانتهاجهم نفس نهجه واستدلالهم بنفس استدلالاته، مع تطويرها وإشاعتها بالآراء والتأويلات والاجتهادات والدلالات البعيدة، وهذا ما يؤكّد عدم أصالة ذلك الوضوء وعدم تلقّيهم إياه عن النبي صلى الله عليه و آله.

ومبالغةً في تثبيت الوضوء المدّعى نسبوا إلى أعلام الماسحين كالإمام عليّ وابن عباس وأنس أنّهم كانوا يثلّثون الغسلات، أو يغسلون الأرجل، أو... ليبعدوا عن أنفسهم شبهة الابتداع. وقاموا في هذا السبيل أيضاً بمنع التدوين، حتّى جاء عمر بن عبد العزيز ليأمر بتدوين تلك الاحاديث وليعمِّم كتاباً إلى الآفاق يأمرهم فيه بالأخذ عن ابن شهاب الزهري؛ معلّلًا


1- تفسير الطبري 6: 82. وانظر: تفسير ابن كثير 2: 44، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، الدر المنثور 2: 262، تفسير الخازن 1: 435

ص: 75

ذلك بأنهم لا يجدون أعلم منه (1) 195، وقد سخّروا رجاء بن حيوة- المعدود من أفقه فقهاء الشام- ليرشد الناس ويفتيهم بآراء عبدالملك بن مروان (2) 196، ومثله جاء عن عبداللَّه بن عمر (3) 197 ودفعه الناس للأخذ عن عبد الملك.

وكان أبوهريرة من الداعين للسكوت عن ظلم الأمويين (4) 198، وكانت عائشة أفقه الناس وأحسنهم رأياً في العامّة (5) 199 ووو

كل هذا جاء لتضعيف معالم فقه التعبد المحض، و لتحريف الوضوء النبوي، ومن أجله رأينا ازدياد عدد المؤيّدين لوضوء الدولة في هذه الحقبة بعد أن كانت الكفّة في زمان عثمان وقبله راجحة للوضوء الثنائي المسحي، ولكن بقي- رغم كل جهود الدولة الأموية- تابعون للنبي صلى الله عليه و آله قائلون بالوضوء المسحي، من أمثال: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وعكرمة، وعلقمة بن قيس، والإمام الباقر،


1- ستقف في الاصدار الثاني من هذه السلسله «وضوء عثمان بن عفان من النشأة الى الانتشار» على سبب ذلك
2- انظر: تهذيب الكمال 9: 154. ففيه قول سعيد بن جبير: كان رجاء بن حيوة يُعَدّ من أفقه فقهاء الشام، و لكن إذا حرّكته وجدته شاميّاً أي أمويّاً يقول: قضى عبدالملك بن مروان بكذا و كذا
3- انظر: تهذيب التهذيب 6: 422، تهذيب الكمال 18: 410، تاريخ بغداد 10: 389، المنتظم 6: 39. إذ قيل لعبداللَّه بن عمر: مَن نسأل بعدكم؟ قال: إنّ لمروان ابناً فقيهاً فَسَلُوهُ
4- انظر: كتاب الأموال: 412، والشعر و الشعراء: 392
5- المستدرك على الصحيحين 4: 14 و قائل هذا القول هو عطاء بن أبي رباح، الذي قطعت يده مع عبداللَّه بن الزبير، و قد أمر بنو أميّة صائحاً يصيح: لا يفتي الناس إلّاعطاء!! انظر: تهذيب التهذيب 7: 181

ص: 76

والإمام الصادق، وغيرهم ممن يعلمهم المتتبع.

فالأمويون لم يتمكنوا من مجابهة الوضوء المسحي- وإن كانوا هم دعاة للوضوء الغسلي- ولا نرى التقية تعمل في الوضوء عند أئمة أهل البيت حتى أواخر عهد الأمويين، ومن يراجع مرويات الإمام الباقر في الكتب الحديثية الأربعة عند الشيعة، يجد الإمام يصف وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو غير مكترث بما قيل أو يقال.

ويبدو أن الأمويين كانوا يجاملون بعض الصحابة والتابعين كأنس بن مالك وابن عباس وعلي بن الحسين ومحمدبن علي الباقر وغيرهم في وضوئهم، فلم يواجهوهم بالعنف، وإن كانوا في ظروف أخرى يواجهون بعضاً آخر بالعنف، كما في حديث أبي مالك الأشعري (1) 200، وكيف كان خائفاً من بيان وضوء النبي أو صلاة النبيّ لقومه.

العباسيّون والوضوء

لقد قامت الدولة العباسية على أكتاف شعار «الرضا من آل محمد»، وكان الناس قد التفّوا حولها وأيّدوها باعتبارها الدولة المنتصرة للحق، وقد قضى أبو العباس السفاح فترة حكومته منشغلًا بتصفية الخصوم الأمويين وأذيالهم، فكان في معزل عن الصراعات الفقهية وعن الكفة العلوية بالذات.

ولكن لما آل الأمر إلى أبي جعفر المنصور العباسي اختلفت الموازين- بعد أن ثبتت أركان الدولة- فقد راح يشتري الفقهاء بالصلات والهدايا


1- انظر: مسند أحمد 5: 342

ص: 77

والمناصب وكراسي القضاء ووو... ولكنه وأتباعه عجزوا عن أبي حنيفة، فضايقوه ونكّلوا به بلا جدوى، إلّاأنهم أفلحوا من بعد في استدراج تلميذه القاضي أبي يوسف.

وقد بقي الإمام جعفر بن محمد الصادق رائد مدرسة التعبد المحض آنذاك، وصاحب الوضوء الثنائي المسحي، سداً منيعاً في طريق غايات المنصور والعباسيين، فراح المنصور يتّخذ شتى الأساليب محاولًا إفحامه.

فدعا المنصور أباحنيفة لإعجاز الإمام بمسائل عويصة ولكنّه لم يفلح، بل أذعن أبوحنيفة بأن الصادق عليه السلام أعلم الناس (1) 201.

فأخذ المنصور يدعو إلى الأخذ بمذهب مالك، فدعاه وأمره بتدوين العلم وجعله علماً واحداً يحمل الناسَ عليه (2) 202، راسماً له المنهج في أن لايقلّد عليّاً وابن عباس، وأن يأخذ بأقوال ابن عمر وإن خالف علياً وابن عباس (3) 203، علماً بأنّ مالكاً كان ينفرد بتفضيل الخلفاء الثلاثة- دون علي عليه السلام- على سائر الصحابة، والحكومة لا تعدّ عليّاً إلّاكسائر الناس (4) 204.


1- انظر: مناقب أبي حنيفة للموفق الخوارزمي 1: 73، جامع أسانيد أبي حنيفة 1: 222. تذكرة الحفّاظ 1: 166. أسنى المطالب 55
2- ترتيب المدارك 1: 192. و فيه أيضاً أنّ الموطّأ كُتب تحت ظل الدولة العباسية، حيث روى ابو مصعب: أنّ أبا جعفر المنصور قال لمالك: ضع للناس كتاباً أحملهم عليه... فوضع الموطّأ..
3- الطبقات الكبرى 4: 147، و انظر: الإمام الصادق والمذاهب الاربعة 1: 504
4- موقف الخلفاء العباسيين: 170

ص: 78

وهذا المخطط الفقهي العقائدي المحموم من المنصور، طال الوضوءَ النبويَّ أيضاً، فالتزم المنصور بالوضوء العثماني الغَسلي الثلاثي، وترك الوضوء النبوي المسحي الثنائي، الذي صار من جملة الفروع الفقهية التي يعرف بها الشيعة.

المنصور والوضوء

عن داود الرقي، قال: دخلت على أبي عبداللَّه- أي الصادق عليه السلام- فقلت له: جُعلت فداك، كم عِدّة الطهارة؟

فقال: «ما أوجبه اللَّه فواحدة، وأضاف إليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله واحدة لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له». قال: أنا معه في ذا حتّى جاءه داود بن زربي، فسأله عن عدّة الطهارة؟ فقال له: «ثلاثاً ثلاثاً، من نقص عنه فلا صلاة له»!!.

قال: فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبوعبداللَّه إليّ وقد تغيّر لوني، فقال: «اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق».

قال: فخرجنا من عنده، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد أُلقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي، وأنّه رافضيّ يختلف إلى جعفر بن محمد.

فقال أبو جعفر المنصور: إنّي مطّلع إلى طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمد- فإني لأعرف طهارته- حقّقتُ عليه القول وقتلته.

فاطّلع وداود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي

ص: 79

الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبوعبداللَّه، فما تمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبوجعفر المنصور فدعاه.

قال: فقال داود بن زربي: فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي، وقال: يا داود، قيل فيك شي ء باطل، وما أنت كذلك، قد اطّلعت على طهارتك وليس طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حلِّ. وأمر له بمائة ألف درهم.

قال: فقال داود الرقي: التقيت أنا وداود بن زربي عند أبي عبد اللَّه، فقال له داود بن زربي: جعلت فداك، حقنتَ دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بيُمنك وبركتك الجنة.

فقال أبوعبداللَّه: فعل اللَّه ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبوعبداللَّه لداود بن زربي: حدِّث داود الرقي بما مرّ عليكم حتّى تسكن روعته.

فقال: فحدّثته بالأمر كلّه.

قال: فقال أبوعبد اللَّه: «لهذا أفتيتُه، لأنّه كان أشرَفَ على القتل من يد هذا العدو» ثمّ قال: يا داود بن زربي، توضّأ مثنىً مثنىً ولا تزيدَنّ عليه؛ فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك (1) 205.

فالإمام الصادق عَلِم بالسياسة المنصورية التي تتحيّن الفرص، وعلم أنّ داود بن زربي قد وُشِي به إلى السلطة عبر الوضوء الثنائي المسحي،


1- رجال الكشي: 312/ الرقم 564. و عنه في وسائل الشيعة 1: 443/ ح 1172

ص: 80

فعالج الموقف علاجاً حكيماً يُنجي صاحبَه من القتل!

والذي يتضح هنا هو اتخاذ المنصور هذه المفردة الوضوئية كرقم يدل على متابعة مدرسة التعبد المحض والتحديث، وهي مدرسة جعفر بن محمد الصادق، وكان هذا الرقم كافياً كاف لقتل من يؤمن به.

المهدي والوضوء

وكان نفس هذا المسلك عند المهدي العباسي، فإنه كان يريد معرفة المخترقين لجدار سلطته عبر الوضوء النبوي الصحيح، وكان داود بن زربي أيضاً محطَّ النظر في قضية الوضوء، ممّا يعني أنّ الجواسيس كانوا يؤكّدون على مفردة الوضوء الثنائي المسحي أيضاً في معرفة المخالفين للسلطة العباسية ولمدرسة الاجتهاد والرأي.

فعن داود بن زربي قال: سألت الصادق عن الوضوء، فقال لي:

«توضأ ثلاثاً ثلاثاً».

ثمّ قال لي: أليس تشهد بغداد وعساكرهم؟!

قلت: بلى.

قال داود: فكنت يوماً أتوضأ في دار المهدي، فرآني بعضهم وأنا لاأعلم به، فقال: كذب من زعم أنك رافضي وأنت تتوضأ هذا الوضوء.

قال: فقلت: لهذا واللَّه أمرني (1) 206.

وهذا النص يؤكد استمرار النزاع الوضوئي، وتأكيد الحكّام على


1- التهذيب 1: 82/ ح 214، الاستبصار 1: 71/ ح 219

ص: 81

ضرورة التزام الوضوء العثماني وترك الوضوء النبوي الثنائي المسحي.

ولا يخفى عليك أنّ المهدي العباسيّ كان يكره نهج الإمام علي في الفقه والإمامة، إذ أنّ القاسم بن مجاشع التميمي عرض عليه وصيّته، وكان فيها بعد الشهادة بالوحدانية ونبوة محمد «وأنّ علي بن أبي طالب وصيّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ووارث الإمامة من بعده»، فلمّا بلغ المهدي إلى هذا الموضع رمى بالوصية ولم ينظر فيها (1) 207.

وسأل المهدي شُرَيكاً القاضي قائلًا: ما تقول في علي بن أبي طالب؟

قال: ما قال فيه جدك العباس وعبد اللَّه.

قال: وما قالا فيه؟

قال: فأمّا العباس فمات وعليّ عنده أفضل الصحابة، وكان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عمّا ينزل من النوازل، وما احتاج هو إلى أحد حتّى لحق باللَّه، وأمّا عبداللَّه فإنّه كان يضرب بين يديه بسيفين، وكان في حروبه رأساً منيعاً وقائداً مطاعاً، فلو كانت إمامته على جور، كان أوّل من يقعد عنها أبوك؛ لعلمه بدين اللَّه وفقهه في أحكام اللَّه. فسكت المهدي، ولم يمض بعد هذا المجلس إلّاقليلًا حتّى عُزل شُرَيك (2) 208.

وهذا ما يؤكد عداءهم لنهج عليٍّ وصيةً و خلافةً و فقهاً، ومنه مفردة الوضوء كما عرفت.


1- تاريخ الطبري 8: 876/ حوادث سنة 169 ه
2- تاريخ بغداد 9: 292

ص: 82

الرشيد والوضوء

ولما آل الأمر إلى هارون الرشيد- الذي تعدّ فترة حكمه أوج قوة العصر العباسي وعصرها الذهبي- نحا نفس منحى أسلافه في عدم قبول الإمام علي وابن عباس، وإن كان الأخير جَدَّهم- ورفض منهج اهل البيت الفكري والفقهي، فما أن دار الحوار السابق بين المهدي وشُرَيك، حتّى قدم هارون الرشيد الكوفة يعزل شريكاً عن القضاء (1) 209، وليس لنا حاجة هاهنا إلى شرح ظلم الرشيد للعلويين، ولكنّ الذي نريد التأكيد عليه هو محاربته إياهم فقهيّاً إضافة إلى محاربتهم سياسياً وعسكريّاً.

فقد جاء رجل إلى الرشيد يخبره عن مكان يحيى بن عبد اللَّه بن الحسن، ووصف له شكله ولباسه وهيئته وجماعته، فلم يطمئن الرشيد بل سأله: أوَ تعرف يحيى؟

قال: قديماً، وذاك الذي حقّق معرفتي بالأمس له.

قال: فصِفْه لي.

قال: مربوع، أسمر حلو السمرة، أجلح، حسن العينين، عظيم البطن.

قال: هو ذاك، فما سمعته يقول؟

قال: ما سمعته يقول شيئاً، غير أنّي لمّا رأيته رأيت غلاماً له أعرفه، لمّا حضر وقت صلاته فأتاه بثوب غسيل فألقاه في عنقه ونزع جبته الصوف ليغسلها، فلمّا كان بعد الزوال صلّى صلاة ظننتها العصر، أطال في الأولتين وحذف الأخيرتين.


1- تاريخ بغداد 9: 292

ص: 83

فقال له الرشيد: للَّه أبوك، لجاد ما حفظت، تلك صلاة العصر وذلك وقتها عند القوم (1) 210.

فلم يطمئن الرشيد بكلّ ما وصفه له ذلك الرجل وكل ما قاله، حتّى إذا وصف له صلاة العصر ووقتها، والجمع بين الصلاتين عَلِمَ صدقه وتحقّق معرفته به، وهذا يدل على بشاعة استغلال الحكام للفقه على الأصعدة كافّة.

وأمّا الوضوء، فقد كان الرشيد اتخذه مفردة يعرف بها الشيعة ليوقع بهم، ومن ذلك محاولته الإيقاع بعلي بن يقطين.

فعن محمد بن الفضل، قال: اختلفت الرواية من بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع؟

فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر: جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب إليَّ بخطّك ما يكون بحسبه، فعلت إن شاء اللَّه.

فكتب إليه أبوالحسن: «فهمت ما ذكرتَ من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلل شعر لحيتك، وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثاً، وتمسح رأسك كلّه، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره».


1- مقاتل الطالبيين: 310

ص: 84

فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين، تعجّب ممّا رسم له- مما أجمعت العصابة على خلافه- ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة؛ امتثالًا لأمر أبي الحسن.

وسُعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل له: إنّه رافضي مخالف لك، فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقَرْف- أي الاتهام- له بخلافنا، وميله إلى الرفض، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً، وقد امتحنته مراراً، فما ظهر منه عليَّ ما يقرف به، وأحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيستحرز منّي.

فقيل له: إنّ الرافضة- يا أمير المؤمنين- تخالف الجماعة في الوضوء فتخفِّفه، ولاترى غسل الرجلين، فامتَحِنْه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه.

فقال: أجل، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره.

ثمّ تركه مدّة وناطه بشي ء من الشغل في الدار، حتّى دخل وقت الصلاة، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي ابن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه، وخلل شعر لحيته وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح رأسه وأذنيه، وغسل رجليه، والرشيد ينظر إليه، فلمّا رآه الرشيد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه، ثمّ ناداه: كذب- يا

ص: 85

علي ابن يقطين- من زعم أنّك من الرافضة. وصلحت حاله عنده.

وبعد ذلك ورد عليه كتاب من أبي الحسن: «ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين، توضّأ كما أمر اللَّه، اغسل وجهك مرّة فريضة وأخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يُخاف عليك، والسلام» (1) 211.

وفي هذا دلالة كافية على أنّ السلطة- ومَنْ حولها- قد اتخذت الوضوء الثنائي المسحي، سبيلًا لكشف الشيعة في القصر الهاروني؛ لأنّ الوضوء أمر عبادي يتكرّر فعله كلّ يوم قبل الصلاة، فهو أوضح شاخص فقهي يُعرَف به «الرافضة» كما في تعبير هارون الرشيد.

وعلى كلّ حال، فقد استمر الخلاف الوضوئي باحتدام وشدّة، فكان المحدثون من أصحاب مدرسة التعبد المحض لا يرون إلّاالوضوء النبوي الثنائي المسحي، وكانت الدولة وأتباعها- من فقهاء منع التحديث، ومن مدرسة الاجتهاد والرأي- لا ترى إلّاالوضوء العثماني الثلاثي الغسلي.

وحين حصرت الدولة العباسية المذاهب الإسلامية بالمذاهب الأربعة- وهي جميعاً من مدرسة الاجتهاد والرأي- ودُوّنت آراؤهم الفقهية، كان من ضمنها الوضوء العثماني، الذي أكدوا عليه أيَّ تأكيد، واختلفوا في فروضه وسننه وآدابه وكيفيته أشد الاختلاف مما يقف عليه المطالع في كتبهم الفقهية، فاتّسعت الفجوة اتساعاً كبيراً بحيث تعسّر ويتعسر رأبها،


1- الارشاد 2: 227، مناقب ابن شهر آشوب 4: 288، الخرائج و الجرائح 1: 335، إعلام الورى: 293

ص: 86

فصار الوضوءان خطّين متوازيين لا يلتقيان.

نهاية المطاف

من كل ما تقدم تتجلى حقيقة في غاية الأهمية والوضوح، مفادها أن المعارضين للوضوء العثماني لم يكونوا قد بزغوا بزوغاً مفاجئاً فظهروا على الساحة الفقهية الإسلامية ظهوراً غير متوقع، بل العكس هو الصحيح، وذلك لتسلسل حلقات الاجتهادات في مقابل الكتاب والسنة من جانب، وتسلسل حلقات المعارضة للتدوين والتحديث من جانب آخر من قِبَلِ الخلفاء، وبقي إصرار جمّ غفير من عيون الصحابة على مواصلة التدوين والتحديث، ومن ثمّ لجوء المانعين إلى فتح باب الاجتهاد والرأي، وبقاء المتعبّدين على تعبّدهم المحض ومنعهم من العمل بالاجتهاد والرأي (1) 212.

لأنّ فتح أبي بكر وعمر لباب الرأي والاجتهاد لأنفسهما هو الذي فتح من بعدهما لعامة الصحابة ذلك، فكانت تلك نتيجة طبيعية لسدِّهما باب التدوين والتحديث والذهاب إلى شرعية التعددية وحجية الآراء.

وكان إعطاء عمر زمام اختيار الخليفة الثالث في الشورى بيد عبدالرحمن بن عوف للتأكيد على لابدِّيَّةِ الانصياع للجهة التي فيها ابن عوف مشروطاً ومقيداً بقيد اتّباع «سيرة الشيخين» (2) 213، وذلك ما أوقعه بالفعل عبدالرحمن بن عوف حين بايع عثمان على ذلك الشرط (3) 214، وأمّا


1- انظر تفصيل ذلك في كتابنا (منع تدوين ح، أسبابه و نتائجه)
2- تاريخ الطبرى 2: 586، البداية والنهاية 7: 146، سبل الهدى والرشاد 11: 278
3- المصدر نفسه

ص: 87

علي بن أبي طالب فلم يرضَ بذلك الشرط الجديد الذي أُقحم في الشريعة، والذي قرّروه دون نص من كتاب اللَّه ولا برهان من سنة نبيّه، وقد أيّدته جماعة كثيرة من كبار الصحابة فلم يرتضوا ذلك الشرط الجديد.

وذلك العهد الذي قطعه عثمان على نفسه بالتزامه بسيرة الشيخين أوقعه في محاذير و نزاعات و خصومات شديدة مع كبار الصحابة، و في مقدمتهم عبدالرحمن بن عوف؛ لأنّ عبدالرحمن كان يرى الاقتصار على اجتهادات الشيخين دون غيرهما، وعثمان كان يرى أنّ له حقَّ الاجتهاد كما كان للشيخين، وأنه ليس بأقل شأناً منهما، وذلك ما دقّ بينهما عطرَ منشم، فمات عبدالرحمن وهو لا يكلم عثمان.

وكان الصحابة- ومنهم علي بن أبي طالب- وطبقاً لقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الزموهم بما الزموا به أنفسهم»، قد طالبوا عثمان بالوفاء بما ألزم به نفسه في يوم الشورى، إلّاأنه كان يرى أنه مبسوط اليد، مطلق العنان في اجتهاداته وتصرّفاته الفقهية والعملية، مما أنشب الخلاف بينه وبين الصحابة على أوسع آفاقه، حتّى أودى بحياته أخيراً.

وقد أثّرت قاعدة «سيرة الشيخين» حتّى على خلافة علي بن أبي طالب مع أنه لم يُلْزِمْ نفسه بها، ولا أعطى عهداً بالعمل وفقها، بل رفضها رفضاً قاطعاً في يوم الشورى (1) 215، وعندما أتاه الناس للمبايعة، بايعهم بشرط أن يحملهم على كتاب اللَّه وما يعلم من سنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فوافقوا


1- راجع اخبار الشورى في تاريخ الطبري و غيره

ص: 88

بذلك ثمّ نقضوه في أماكن عدّة مثل صلاة التراويح وفدك (1) 216 وما إليهما، إذ عانى عليٌّ أشدَّ المعاناة من هذا النهج «نهج الاجتهاد والرأي» لما يستتبعه من تَوالٍ فاسدة على مرور الأيام.

فالمحصّل الذي طغى على الساحة الإسلامية هو استفحال نهج الاجتهاد والرأي نتيجةً لدعم القوة التنفيذية «الخلافة والحكومة» له، وبقي خطّ التعبد في صدور و مدوّنات الصحابة المضطهدَين الّذين لا طاقة لهم بردِّ الناس إلى جادة الصواب؛ لاستفحال التيار المقابل.

وهذا هو الذي سوّغ لعمر أن ينكّل- وبجرأة- بمن يتحدث عن النبي صلى الله عليه و آله (2) 217، وسهّل من بعده لعثمان أن يتجاهل الأحاديث الوضوئية


1- ففي الكافي 8: 58/ ح 21 بسنده عن سليم بن قيس في حديث طويل فيه: انّ علياً عليه السلام أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته، فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لتفرّق عنّي جُندي... أرايتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة... و اللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّافي فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل أي صلاة التراويح بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غُيّرت سنة عمر!!... ما لقيتُ من هذه الأمة من الفُرقة و طاعة أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار
2- في مختصر تاريخ دمشق 17: 101 عن عبد الرحمن بن عوف، قال: ما مات عمر بن الخطّاب حتّى بعث إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فجمعهم من الآفاق: عبداللَّه بن مسعود، و حذيفة بن اليمان، و أبو الدرداء، و أبو ذر الغفاري، و عقبة بن عامر ابو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول اللَّه في الآفاق؟! قالوا: تنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا واللَّه لا تفارقوني ما عِشتُ، فنحنُ اعلم نأخذ منكم و نردّ عليكم، فما فارقوه حتى مات. و في شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي: 20 بَعَثَ عمر بن الخطّاب إلى عبداللَّه بن مسعود، و إلى أبي الدرداء، و إلى أبي مسعود الأنصاري، فقال لهم: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول اللَّه؟! فحبسهم بالمدينة

ص: 89

الصحيحة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بقوله: «يتحدّثون بأحاديث لا أدري ما هي!»

نعم، أنكرها عثمان وكأنه لم يسمعها من قبل، ولا رأى النبي صلى الله عليه و آله يحدّث بها ويفعلها طول عمره الرساليّ المبارك الشريف!!

وقد استمرّ عثمان أيضاً بالنهي عن التحديث والفتيا، فصار أبوذر وابن مسعود وعمّار بن ياسر وأمثالهم في أشدِّ المضايقة، وأقسى الضغوط؛ لأنّهم لم يلتزموا بالمنع الحكومي، حتّى وصل الأمر بالحجّاج بن يوسف الثقفي أن يختم في يد جابر بن عبداللَّه الأنصاري وفي عنق سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وأنس بن مالك الأنصاري، يريد إذلالهم، وأن يتجنّبهم الناس ولا يسمعوا منهم (1) 218. وفي كتاب (المحن) لأبي العرب التميمي: إن الحجّاج ختم يد الحسن البصري وابن سيرين كذلك (2) 219.

إذن، لم يكن التيار الفكريّ الفقهيّ المعارض لوضوء عثمان تياراً طارئاً ولا حدثاً عابراً، بل كان امتداداً طبيعيّاً لخط التحديث، المعارض للرأي والاجتهاد.


1- أسد الغابة، لابن الأثير 2: 472 في ترجمة سهل بن سعد الساعدي
2- كتاب المحن: 428- 429 كما في الفكر الأصولي لعبد المجيد الصغير

ص: 90

ف «الناس» المقصودون في أحاديث عثمان الوضوئية هم الصحابة الكبار أو هم امتداد لهم، و هؤلاء كانوا معارضين لمنع التحديث والتدوين، و هم من الذين يرون أنّ الأحكام توقيفية لا يمكن تجاوزها بالزيادة والنقصان، فلا مجال للاجتهاد والرأي فيها خصوصاً مع وجود النص القرآني والسنة النبوية المباركة.

علماً بأنّ أصحاب المدوّنات كانوا من أتباع وأنصار الوضوء الثنائي المسحي، أو أنهم لم يكونوا من أنصار الوضوء الثلاثي الغسلي على الأقلّ، وهذه مسألة تؤكّد الترابط بين المدونين ونهج التعبد في الوضوء من جهة، وبين مانعي التدوين وخط الاجتهاد والرأي في الوضوء من جهة أخرى، حتّى أن عبداللَّه بن عمر- وهو ممن خالف اجتهادات أبيه عمر (1) 220- كان لايرى المسح على الخفّين، لأنه كان قد سمع الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أنّ المسح على الخفّين غير جائز، وأنّ الوضوء لا يعدُّ وضوءاً مع المسح على الخفّين، وأنّ سورة المائدة جاءت بالوضوء الذي يُمسح فيه على القدمين لا على الخفّين (2) 221، وهو وإن قيل عنه أنّه ما مات حتى وافق الناسَ ورجع إلى جواز المسح على الخفين، إلّاأنّ المهم هو ثبوت كونه من مانعي المسح على الخفّين في حياة أبيه، فموقفه الوضوئي آنذاك لا يمكن التغاضي عنه مع ما صدر منه من مواقف في الدفاع عن كثير من الأحكام الثابتة، ووقوفه ضدّ اجتهادات أبيه.


1- انظر منع تدوين الحديث، لنا: 256- 262
2- مرّ عليك ذلك منقولًا عن مسند أحمد 1: 366

ص: 91

وهنا تتأكّد أصالة النهج الوضوئي وأحقّيّته، ولا يهمنا بعد ذلك أن يكون ابن عمر رجع وقال بالمسح على الخفين أم لم يرجع، وإن ذلك ليرجع إلى الظروف التي كان يعيشها؛ إذ عرف عنه عدم استقراره في مواقفه السياسية، لأنّه قد صار في أواخر عمره تبعاً للسلطات الأموية.

لكنّ الحقّ أنّ نهج التعبّد المحض والتحديث أخذ ينشط ويعمل بكلّ دأب وجدٍّ في زمن خلافة علي بن أبي طالب، لذلك نرى كتاب الإمام علي إلى محمد بن أبي بكر- واليه على مصر (1) 222- وسائر مواقفه الوضوئية والفقهية الأخرى، تؤكّد على كثير من الأحكام الشرعية التي كانت من البداهة بمكان، ومن جملتها الوضوء الثنائي المسحي، والصلاة وغيرها من بديهيات الأحكام الشرعية، وعليٌّ هو رائد مدرسة التعبّد والدعوة لفتح باب التدوين والتحديث.

نعم، جَدّ الإمام عليّ ليمحو الآثار الّتي خلّفتها الحكومات التي سبقته، بسبب اجتهاداتها المتكررة، فراح يؤكّد على ضرورة اتّباع نهج التعبد، واتّباع خطى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أحكامه وأفعاله.

فالوضوء إذن، لا يمكن تفكيكه عن مسألة التحديث والتدوين، ولا مسألة الاجتهاد والتعبد بحالٍ من الأحوال، لأنّ روّاد التعبد المحض هم رواد الوضوء الثنائي المسحي، ورواد الاجتهاد- في زمن عثمان وما بعده- هم رواد الوضوء الثلاثي الغسلي، ولا ننسى أنّ عثمان بن عفان كان قد صرّح بكون معارضيه في الوضوء هم من المحدّثين عن رسول اللَّه؛ لقوله:

«إن ناساً يتحدثون عن رسول اللَّه!...».


1- انظر ذلك في الغارات للثقفي 1: 251- 254، وشرح نهج البلاغة 6: 73

ص: 92

خلاصة ما سبق:

17- وحدة الوضوء في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و كذلك في زمن حكومة الشيخين.

18- ظهور الخلاف في زمن عثمان بن عفّان.

19- اختلاف عثمان مع «ناس» هم من أعاظم الصحابة.

20- إنّ البادئ بالخلاف، والمحدث للوضوء الثلاثي الغسلي هو عثمان.

21- عدم ارتضاء الصحابة المتعبدين لآراء عثمان الاجتهادية عموماً و الوضوئية خصوصاً.

22- مخالفة عثمان لسنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سيرة الشيخين التي ألزم بها نَفْسَه شرطاً لقبول الخلافة عنهما.

23- إن مقتل عثمان كان بسبب إبداعاته الدينية مضافاً إلى سوء سيرته السياسية و المالية.

24- محاولة أميرالمؤمنين علي عليه السلام تصحيح ما حرَّفَه سابقوه، و منها تحريف عثمان للوضوء.

25- التلازم بين الوضوء الثنائي المسحي و نهج المتعبدين المدوّنين من جهة، و بين الوضوء الثلاثي الغسلي و نهج المجتهدين المانعين للتحديث و التدوين.

26- إن الحكومات الأموية و العباسية كانت تدعم الخط الاجتهادي صاحب الوضوء الثلاثي الغسلي ضدّ الخط التعبّدي، و تتّخذ من مفردة الوضوء الثنائي المسحيّ سلاحاً تفتك عبره بأصحاب التعبّد.

ص: 93

فهرس المصادر

بعد القرآن الكريم

27- اجتهاد الرسول: للدكتورة نادية شريف العمري، ط 4، مؤسسة الرسالة، 1408 ه- 1987 م، الشركة المتحدة للتوزيع، بيروت.

28- الاحكام في اصول الاحكام: لأبي محمد، على بن حزم الأندلسي الظاهري (ت 406 ه)، تحقيق: احمد شاكر، نشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة بالقاهرة، 1345 ه.

29- الارشاد: لأبي عبداللَّه، محمد بن محمد النعمان العكبرى البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، تحقيق: مؤسسه آل البيت، قم- ايران، رجب 1413 ه.

30- اسد الغابة في معرفة الصحابة: لأبي الحسن، علي بن محمد، ابن الاثيري الجزري (ت 630 ه)، طبع دار احياء التراث العربي، بيروت.

31- الاصابة في تمييز الصحابة: لأبي الفضل، احمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، مطبعة السعادة، مصر، 1328 ه.

32- اعلام الورى باعلام الهدى: لأبي على، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه)، قدم له: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، ط 3، دار الكتب الاسلامية.

33- الامالي: لأبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسى (ت 460 ه)، قدم له: السيد محمدصادق بحر العلوم، ط 2، مؤسسه الوفاء، بيروت،

ص: 94

1401 ه- 1981 م.

34- الامالي: لأبي عبداللَّه، محمد بن محمد بن النعمان العكبرى المعروف بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، ط 1، المطبوع ضمن مصنفات الشيخ المفيد (في الجزء الثالث عشر منه) الموتمر العالمى لالفيته، 1413 ه، و طبعة مطبعة اخرى (المطبعة الحيدرية- ط 2).

35- الامامة والسياسة: لعبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1393 ه- 1973 م.

36- الاموال: لأبي عبيد، القاسم بن سلّام (ت 224 ه)، تحقيق:

محمد خليل هراس (من علماء الازهر)، ط 1، دار الكتب العامة، بيروت، 1406 ه- 1986 م.

37- انساب الاشراف: (المجلد الخامس- رحلى): لاحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه)، مكتبة المثنى، بغداد، اوفسيت عن طبعة سابقة.

38- البداية و النهاية/ تاريخ ابن كثير: لأبي الفداء، اسماعيل بن كثير الدمشقى (ت 774 ه)، حققه: جمع من الاساتذة، ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 ه- 1987.

39- تاريخ عمر بن الخطّاب/ سيرة عمر: لأبي الفرج، عبدالرحمن بن على الشهير بابن الجوزي (ت 597 ه)، طبع القاهره.

40- تاريخ المدينة المنورة/ اخبار المدينة: لأبي زيد، عمر بن شبه النميري البصري (ت 262 ه)، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، دار التراث،

ص: 95

الدار الاسلامية، بيروت، 1410 ه- 1990 م.

41- تاريخ الخلفاء: لجلال الدين، عبدالرحمن بن ابى بكر السيوطي (ت 911 ه)، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، ط 1، مطبعة السعادة، مصر، 1371 ه- 1952 م.

42- تاريخ الامم و الملوك/ تاريخ الطبرى: لأبي جعفر، محمد بن جرير الطبرى (ت 310 ه)، تحقيق: محمد ابوالفضل ابراهيم، دار التراث، بيروت- لبنان.

43- تاريخ بغداد أو مدينة السلام: لأبي بكر، أحمد بن على الخطيب البغدادى (ت 463 ه)، المكتبة السلفية- المدينة المنورة.

44- تأويل مختلف الحديث: لأبي محمد، عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، صححه و ضبطه: محمد زهرى النجار (من علماء الازهر)، دار الجيل، بيروت.

45- تذكرة الحفاظ: لأبي عبداللَّه، محمد بن أحمد بن أحمد بن عثمان، الذهبي (ت 748 ه)، صحح عن النسخة القديمة المحفوظة في مكتبة الحرم المكى، تحت رعاية وزارة المعارف الهندية، أوفسيت دار احياء التراث العربى، بيروت.

46- تفسير القرآن العظيم/ تفسير ابن كثير: لابن كثير الدمشقى (ت 774 ه)، ط 1، دار أحياء التراث العربى، بيروت، 1405 ه- 1985 م.

47- التفسير، للعياشي: محمد بن مسعود بن عياش السلمي (ت 320 ه)، تحقيق: السيد هاشم الموسوى المحلاتى، المكتبة العلمية

ص: 96

الاسلامية، طهران.

48- التفسير الكبير/ تفسير الفخر الرازى: لأبي عبداللَّه محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الشهير بالفخر الرازي (ت 606 ه)، الطبعة الثالثة.

49- تفسير الطبرى/ جامع البيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر، محمد بن جرير الطبرى (ت 310 ه)، دار المعرفة، بيروت، أوفسيت عن الطبعة الاولى المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق، مصر، سنة 1323 ه.

50- تقييد العلم: لأبي بكر، احمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى (ت 463 ه)، تحقيق: يوسف العش- دار إحياء السنة النبوية، 1974 م.

51- تهذيب الكمال: لأبي الحجاج، جمال الدين يوسف المزي (ت 742 ه)، حققه و ضبطه الدكتور بشار عواد معروف، ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413 ه، 1992 م.

52- تهذيب الاحكام: لأبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسى (ت 460 ه)، تحقيق: السيد حسن الموسوى الخرسان، ط 3، دار الكتب الاسلامية، طهران، 1390 ه.

53- جامع المسانيد: مجموعه الاحاديث و الآثار، تضم 15 اسانيد الامام ابي حنيفه (ت 150 ه)، تأليف ابى المؤيد، محمد بن محمود الخوارزمى (ت 665 ه)، طبع دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان.

54- الجامع لاحكام القرآن/ تفسير القرطبى: لأبي عبداللَّه، محمد بن احمد الانصارى القرطبي (ت 671 ه)، صححه: احمد عبدالعليم البردوني

ص: 97

اعادت طبعة بالاوفسيت دار احياء التراث العربى، بيروت.

55- حجية السنة: لعبد الغني عبد الخالق، نشر: المعهد العالمى للفكر الاسلامي و اشنظن، دار القرآن الكريم، بيروت، 1407 ه.

56- حلية الاولياء و طبقات الاصفياء: لأبي نعيم، أحمد بن عبداللَّه الاصفهانى (ت 430 ه)، دار الفكر، بيروت.

57- الخرائج و الجرائح: لأبي الحسين، سعيد بن هبة اللَّه الشهير بالقطب الرواندي (ت 573 ه)، تحقيق و نشر: مؤسسة الامام المهدى، قم، المطبعة العلمية، 1409 ه.

58- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: لجلال الدين، عبدالرحمن السيوطي (ت 991 ه)، منشورات مكتبة آيةاللَّه المرعشي، قم، 1404 ه.

59- رجال الكشى/ اختيار معرفة الرجال: لأبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، صححه و علق عليه: حسن المصطفوي، طبعة كلية الالهيات في مشهد بمناسبة الذكرى الالفية للطوسي، 1348 ه.

60- السنن: لابن ماجة القزوينى، محمد بن يزيد (ت 275 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي.

61- السنن: لأبي دواد، سليمان بن الاشعث الازدى السجستانى (ت 275 ه)، تحقيق: محمد بن محي الدين عبدالحميد، دار الفكر، بيروت.

62- السنن: لأبي محمد، عبداللَّه بن عبدالرحمن التميمى الدارمى (ت 255 ه)، دار الفكر، القاهرة، 1398 ه- 1978 م.

63- السنن: لعلى بن عمر الدار قطنى (ت 385 ه)، تحقيق: السيد عبداللَّه هاشم اليماني المدني، دار المحاسن للطباعة، القاهرة، 1386 ه-

ص: 98

1966 م.

64- السنن: لأبي عبدالرحمن، أحمد بن شعيب بن على النسائي (ت 303 ه)، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1348 ه- 1930 م.

65- السنن الكبرى/ سنن البيهقى: لاحمد بن الحسين بن على البيهقى (ت 458 ه)، دار المعرفة، بيروت.

66- السنة قبل التدوين: للدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، ط 2، شبة، 1391 ه.

67- السيرة النبوية/ سيرة ابن هشام: لعبدالملك بن هشام الحميرى (ت 213 ه- 218 ه)، تحقيق: مصطفى السقاء و ابراهيم الايباري و عبدالحفيظ شلبى، نشر: دار احياء التراث العربى، بيروت، سنة 1985 م.

68- شرح نهج البلاغة: لأبي حامد، عبدالحميد بن هبة اللَّه المعتزلى الشهير بابن ابى الحديد (ت 655 ه)، تحقيق: محمد ابوالفضل ابراهيم، ط 2، دار احياء التراث العربى، 1965 م.

69- شرح معاني الآثار: لأبي جعفر، أحمد بن محمد بن سامة الطحاوي (ت 321 ه)، تحقيق: محمد زهرى النجار، محمد سيد جاد الحق، ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1414 ه- 1994 م.

70- الشعر و الشعراء/ طبقات الشعراء: لأبي محمد، عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت.

71- صحيح البخاري: لأبي عبداللَّه، محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن

ص: 99

مغيرة الجعفي (ت 256 ه)، دار الجيل، بيروت، أوفسيت عن طبعة سابقة.

72- صحيح مسلم: لأبي الحسين، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ط 2، دار الفكر، بيروت، 1398 ه- 1978 م.

73- صفين: لنصر بن مزاحم.

74- الطبقات الكبرى: لمحمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 230 ه)، قدم له: الدكتور احسان عباس، دار صادر، بيروت.

75- العقد الفريد: لاحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه)، تحقيق: جماعة من الاساتذة، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1404 ه- 1983 م.

76- عمدة القاري في شرح صحيح البخارى: لأبي محمد، محمود بن أحمد، بدر الدين العيني (ت 855 ه)، دار الفكر، بيروت.

77- فتح الباري لشرح صحيح البخاري: لاحمد بن على بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، ط 2، دار احياء التراث العربى، بيروت، 1402 ه.

78- الفتوح: لأبي محمد، أحمد بن اعثم الكوفي (ت 314 ه)، تحقيق:

الدكتور سهيل زكار، ط 1، دار الفكر، 1992 م.

79- الفقيه و المتفقه: لأبي بكر، أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادى (ت 462 ه)، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400 ه- 1980 م.

80- الكافي: لأبي جعفر، محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي الكليني

ص: 100

(ت 328 ه)، ط 2، دار الكتب الاسلامية، طهران، 1362 ه.

81- الكامل في التاريخ/ تاريخ ابن الاثير: لأبي الحسن، على بن محمد بن الاثير (ت 630 ه)، دار صادر، بيروت، 1979 م.

82- الكفاية في علم الدراية: لأبي بكر، احمد بن على الشهير بالخطيب البغدادى (ت 436 ه)، تحقيق: احمد عمر هاشم طبع و نشر، دار الكتب العربى، بيروت، ط 1، 1405 ه- 1985 م.

83- كنز العمال فى سنن الاقوال و الافعال: لعلى المتقى بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه)، ضبطه: الشيخ بكر حيانى صححه: الشيخ صفوة السقا، ط 5، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1405 ه- 1985 م.

84- مجمع البيان/ تفسير مجمع البيان: لأبي على، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه)، تحقيق: لجنة من العلماء، نشر: مؤسسة الاعلمى، بيروت، ط 1، 1415 ه.

85- المحلى: لأبي محمد، على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى (ت 456 ه)، صححه: الشيخ أحمد محمد شاكر، دار الافاق الجديدة، بيروت.

86- المختصر فى اخبار البشر/ تاريخ ابى الفداء: لاسماعيل بن على بن محمد (ت 732 ه)، دار المعرفة، بيروت.

87- المستدرك على الصحيحين: لمحمد بن عبداللَّه الحاكم النيسابورى (ت 405 ه)، دار الفكر، بيروت، 1398 ه- 1978 م.

88- المسند: لعبداللَّه بن الزبير الحميدي (ت 219 ه)، تحقيق:

ص: 101

عبدالرحمن الاعظمى، عالم الكتب، بيروت.

89- مسند الامام احمد بن حنبل: دار الفكر، بيروت، عن طبعة سابقة.

90- المصنف: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه)، تحقيق:

عبدالرحمن الاعظمى، منشورات المجلس العلمى الذى اسس في (سملك، سورت من الهند)، طبع في بيروت 3 رمضان 1390 ه- 1970 م.

91- المعارف: لأبي محمد، عبداللَّه بن مسلم، ابي قتيبة الدينوري (ت 276 ه)، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 ه- 1987 م.

92- مقاتل الطالبيين: لأبي الفرج الاصفهاني (ت 356 ه)، دار المعرفة، بيروت.

93- مناقب آل ابى طالب/ مناقب ابن شهر آشوب: لمحمد بن على السروي المازندراني (ت 588 ه)، عنى بتصحيحه و التعليق عليه: السيد قاسم الرسولي المحلاتي، مؤسسة انتشارات علامة، قم.

94- المناقب: للموفق بن أحمد الخوارزمى (ت 568 ه)، تحقيق:

الشيخ مالك المحمودى، طبع و نشر مؤسسة النشر الاسلامى، قم، ط 2، 1411 ه.

95- المنتظم في تاريخ الملوك و الامم: لعبد الرحمن بن على بن محمدبن الجوزي (ت 597 ه)، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، و مصطفى عبدالقادر عطا، راجعة نعيم زر زور، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1412 ه- 1992 م.

96- موطأ مالك: للامام مالك بن انس (ت 179 ه)، تحقيق: محمد

ص: 102

فؤاد عبدالباقى، دار احياء التراث العربى، بيروت.

97- موقف الخلفاء العباسيين من ائمة المذاهب الاربعة: لعبد الحسين على بن احمد، نشر: دار قطرى بن الفجاءة، الدوحة، ط 1، 1405 ه- 1985 م.

98- منع تدوين الحديث: لمؤلف هذا الكتاب، ط 1، مؤسسة الاعلمى، 1418 ه- 1997 م.

99- الناسخ و المنسوخ: لابن شاهين.

100- نيل الأوطار من احاديث سيد الاخيار: لمحمد بن على اليمنى الصنعاني الشوكاني (ت 1255 ه)، دار الجيل، بيروت، 1973 م.

101- وسائل الشيعة: لمحمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم- ايران، 1409 ه. (1) 223

________________________________________

1 ( 1) المائدة: 6

2 ( 1) الاجتهاد الذي نهى عنه اللَّه و رسوله و أئمة أهل البيت هو بمعنى الإفتاء بالرأي- و بمثل القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و ما شابهها- مع ترك النصوص القرآنية و النبوية أو التلاعب بمفاهيمها

3 ( 2) انظر صحيح مسلم 4: 2008/ 90، مسند أحمد 2: 316- 317، 449، 3: 400

4 ( 3) شرح النووي على صحيح مسلم 11: 91، الجامع الصغير للسيوطي 1: 48. و قال المناوي في فيض القدير 1: 209: لم أقف له على سندٍ صحيح. و في كنز العمال 10: 136/ ح 28686 ذكره ثم قال:« نصر المقدسي في الحجة، و البيهقي في رسالة الأشعرية بغير سند، و أورده الحليمي و القاضي حسين و إمام الحرمين و غيرهم، و لَعَلَّهُ خُرِّج به في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا»!! و قد صحّ إسناد هذا الحديث عند أهل البيت و فسّره الإمام الصادق بأن المراد اختلافهم في البلدان بعد تفقّههم لينذروا الناس و يعلموهم الأحكام. انظر: علل الشرايع 1: 85، و معاني الأخبار: 157 فانظر كيف يأخذون به مع عدم صحة اسناده عندهم

5 ( 1) المصنف لابن أبي شيبة 8: 161/ ح 27

6 ( 2) انظر الحديث بألفاظ متقاربة و معنى واحد في: تحفة الاحوذي 7: 333، المعجم الكبير للطبراني 18: 51، كنز العمال 1: 377/ ح 1637، شواهد التنزيل 1: 270، تفسير القرطبي 2: 9.

و في مستدرك الحاكم النيسابوري 3: 547 بسنده عن عوف بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ستفترق امتي على بضع و سبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم؛ فيحرمون الحلال و يحللون الحرام. و هو في المحلى لابن حزم 1: 62، و المستدرك للحاكم ايضاً 4: 430، و مجمع الزوائد 1: 179، و المعجم الكبير للطبراني 18: 51، و مسند الشاميين 2: 143

7 ( 1) النساء: 82

8 ( 2) الأنعام: 153

9 ( 1) النساء: 80

10 ( 2) النور: 52

11 ( 3) محمّد: 33

12 ( 1) النور: 51

13 ( 2) الاحزاب: 36

14 ( 3) النجم 3 و 4

15 ( 4) النور: 62

16 ( 1) مسند أحمد 4: 132: سنن ابن ماجة 1: 6/ 12: سنن أبي داود 4: 200/ 2604، السنن الكبرى للبيهقي 9: 331، الاحكام لابن حزم 2: 161، الكفاية للخطيب: 9؛ المستدرك 1: 108، الفقيه و المتفقه 1: 88

17 ( 2) كنز العمال 13: 173 و 107 و 115

18 ( 3) الاصابة 2: 512

19 ( 4) الاصابة 1: 361

20 ( 1) الاحزاب: 36

21 ( 2) النساء: 65

22 ( 3) الحجرات: 2

23 ( 4) التوبة: 38

24 ( 5) الاحزاب: 57

25 ( 6) المجادلة: 8

26 ( 1) مجمع البيان 5: 129

27 ( 2) كنز العمال 1: 193/ ح 977

28 ( 3) كنز العمال 1: 175 عن مسلم

29 ( 1) مسند أحمد 2: 196، و مسند أبي يعلى 5: 429/ ح 3121، و كنز العمال 1: 383/ ح 1661. و في سنن النسائي 6: 142/ ح 3401 بسنده عن محمود بن لبيد، قال: أُخبر رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله عن رجل طلَّق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضباناً ثمّ قال: أَيُلعَبُ بكتاب اللَّه و أنا بين أظهركم؟! حتى قام رجل و قال: يا رسول اللَّه، ألا أقتله؟!

30 ( 2) الانفال: 24-/ 25

31 ( 3) تفسير ابن كثير 2: 488-/ 489

32 ( 4) تفسير ابن كثير 2: 488-/ 489

33 ( 1) النور: 62

34 ( 1) الكامل في التاريخ 2: 255-/ 256، سيرة ابن هشام 4: 70-/ 78

35 ( 2) انظر تفسير الفخر الرازي 11: 3، والكشاف 1: 552، و تفسير ابن كثير 1: 851-/ 852. والآية: 94 من سورة النساء

36 ( 3) صحيح البخاري 8: 31/ كتاب الاداب- باب الصبر على الأذى

37 ( 4) صحيح البخاري 8: 31/ كتاب الاداب- باب من لم يواجه الناس بالعتاب

38 ( 1) تفسير القرطبي 14: 329، روح المعاني 22: 74. و انظر كلام السدي في دلائل الصدق 3: 337- 339

39 ( 2) تفسير الرازي 25: 225، تفسير القرطبي 14: 229، تفسير ابن كثير 3: 506، الدر المنثور 6: 639، تفسير البغوي 3: 541، معاني القرآن للنحاس 5: 373، روح المعاني 22: 73، غاية السول في سيره الرسول: 223، السيرة الحلبية 1: 448، الطبقات الكبرى 8: 201، زاد المسير 2: 712

40 ( 3) الاحزاب: 53، عن السدي في تفسير الاية الدر المنثور 5: 214، الطرائف 2: 493

41 ( 4) الاحزاب: 54

42 ( 5) الاحزاب: 57

43 ( 6) الاحزاب: 6

44 ( 1) الاصابة 1: 484، حلية الأولياء 3: 227، البداية و النهاية 7: 298، مسند أحمد 3: 15

45 ( 2) تاريخ المدينة لابن شبة 1: 372، الدر المنثور 3: 264، كنز العمال 2: 419/ ح 4393

46 ( 3) مسند أحمد 1: 20 عن الاعمش عن شقيق عن سلمان بن ربيعة، و مسلم في الزكاة

47 ( 4) تاريخ عمر لابن الجوزي: 58

48 ( 5) المصنف لعبد الرزاق 10: 313، مجمع الزوائد 1: 174

49 ( 6) صحيح البخاري 1: 39 كتاب العلم، و كتاب المرضى 4، صحيح مسلم 3: 1257، 1259

50 ( 1) تذكرة الحفاظ 1: 2-/ 3، حجية السنة: 394

51 ( 1) تقييد العلم: 49، حجية السنة: 395 عن البيهقي في المدخل، و ابن عبدالبر

52 ( 2) تقييد العلم: 53، حجية السنة: 395

53 ( 3) حجية السنة: 395، وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 140« مثناة كمثناة أهل الكتاب»

54 ( 1) الطبقات الكبرى 2: 336 و عنه في السنة قبل التدوين: 97

55 ( 2) كنز العمال 1: 291

56 ( 3) هو فتى من قريش كما في تاريخ دمشق 66: 94. و في فتح الباري 1: 148« و بيّنّا أنّ الذي جابهه رجل من قريش»

57 ( 4) قال ابن حجر في فتح الباري 1: 148« إنّ الذي نهاه عن الفتيا عثمان»

58 ( 1) تجيزوا: أي تكملوا قتلي

59 ( 2) سنن الدارمي 1: 136. و رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 64، و ابن سعد في طبقاته 2: 354. و روى هذا الحديث البخاري في صحيحه 6: 25 لكنّه بتره و لم يذكر نهي عثمان و لا الفتى القرشي الرقيب الجاسوس، بل اكتفى بذكر قول أبي ذر« لو وضعتم الصمصامة»... الخ

60 ( 1) ستقف على مصادر بعض هذه النصوص في صفحة 57 من هذا الكراس

61 ( 2) كنز العمال 2: 333/ ح 4167

62 ( 1) ففي تفسير العياشي 1: 301- 302 بسنده عن الصادق عليه السلام، قال: إنّ عليّاً عليه السلام خالَفَ القوم في المسح على الخفين على عهد عمر بن الخطاب...

و فيه أيضاً 1: 297/ ح 46 بسنده عن زرارة بن أعين و أبي حنيفة، عن أبي بكر بن حزم، قال: توضّأ رجل فمسح على خُفّيه، فدخل المسجد فصلّى، فجاء عليٌّ فوطأ على رقبته، فقال: ويلكَ! تُصلّي على غير وضوء؟!

فقال الرجل: أمرني عمر بن الخطاب.

قال الراوي: فأخذه بيده، فانتهى به إليه.

فقال علي: انظر ما يروي هذا عليك- و رفَعَ صوته-

فقال عمر: نعم، أنا أمرتُهُ؛ إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مَسَحَ.

قال علي: قبل المائدة أو بعدها؟

قال عمر: لا أدري.

قال علي: فَلِمَ تفتي و أنت لا تدري؟! سَبَقَ الكتابُ الخُفَّيْن. انتهى.

و المقصود أنّ سورة المائدة كانت من أواخر السّور التي نزلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و قد بُيِّنَ فيها الوضوء بقوله تعالى« وَ امسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَ أَرجُلَكُم» و هي تعني أنّ المسح على القدمين لا على الخُفّين

63 ( 2) ففي مسند أحمد 1: 366 بسند صحيح عن خصيف أنّ مقسما- مولى عبداللَّه بن الحارث بن نوفل- أخبره أنّ ابن عباس قال: انا عند عمر حين سأله سعد بن أبي وقاص و ابن عمر المسح على الخفين؟ إذ كان سعد يرى المسح على الخفين، و كان عبداللَّه بن عمر لا يرى جوازه فقضى عمر لسعد. فقال ابن عباس: فقلت: يا سعد، قد علمنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مَسَحَ على خُفّيه، و لكن أَقَبْلَ المائدة أم بعدها؟... قال: لا يخبرك أحدٌ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مَسَحَ عليهما بعدما أُنزلت المائدة، فسكت عمر

64 ( 1) انظر: عمدة القاري 2: 240 و فيه: أخرجه ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ

65 ( 2) كنز العمال 9: 443/ ح 26890

66 ( 1) صحيح مسلم 1: 207/ ح 8، و عنه في كنز العمال 9: 423 ح 26797

67 ( 1) عمدة القاري للعيني 2: 240

68 ( 2) شرح معاني الآثار 1: 35/ ح 160

69 ( 3) صحيح مسلم 1: 213/ ح 25، سنن ابن ماجة 1: 154/ ح 452، المصنف لعبدالرزاق 1: 23/ 69، الموطأ 1: 19/ 5، مسند أحمد 6: 112، شرح معاني الآثار 1: 38/ 188

70 ( 1) ك( عبداللَّه بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، ومحمد بن أبي بكر، وحتى عائشة بنت أبي بكر قبل وفاة سعد بن أبي وقاص). إذ أنّ خلافها مع أخيها عبدالرحمن كان يوم توفّي سعد بن أبي وقاص كما في صحيح مسلم و السنن الكبرى للبيهقي 1: 230، و جامع البيان للطبري 6: 180 و غيرها. و سعدٌ توفّي سنة 54 أو 55 أو 58 ه. انظر أسد الغابة 2: 293

71 ( 2) انظر خبر ذلك في تفسير الطبري 6: 82 و تفسير ابن كثير 2: 44 و تفسير القرطبي 6: 92

72 ( 1) سيأتي بيانها تحت عنوان« من هو البادئ بالخلاف»

73 ( 2) انظر كنز العمال 9: 447/ ح 26907، و 9: 439/ ح 26876 ففيهما ادّعاء شهادة طلحة والزبير وعلي وسعد لعثمان على صحة وضوئه الغسلي، مع أنهم من معارضيه فقهاً وفكراً وتطبيقاً

74 ( 3) تاريخ الطبري 4: 268، انساب الاشراف 5: 39، سنن البيهقي 3: 144، كنز العمال 8: 238/ ح 22720. صحيح البخاري 2: 53، صحيح مسلم 1: 481/ ح 15 و 482/ ح 17، مسند احمد 3: 159، 190، مجمع الزوائد 2: 155، الموطأ 1: 402/ ح 201

75 ( 4) سنن البيهقي 8: 61، طبقات ابن سعد 5: 15، تاريخ الطبري 4: 239، شرح النهج: 3: 60، تاريخ اليعقوبى 2: 163، الكامل فى التاريخ 3: 75

76 ( 1) طبقات ابن سعد 5: 17، تاريخ الطبري 4: 274، انساب الاشراف 5: 34، تاريخ الخلفاء: 154، الكامل فى التاريخ 3: 106

77 ( 2) فتح البارى 2: 161، صحيح البخاري 2: 23، صحيح مسلم 2: 602/ ح 201، سنن ابن داود 1: 297/ ح 1142، سنن ابن ماجه 1: 406/ ح 1273، سنن الترمذى 2: 21/ ح 529، مسند احمد 2: 38

78 ( 3) انساب الاشراف للبلاذرى 5: 39، المنتظم 5: 7، المصنف لأبي ابن شيبة 2: 48/ 3 و 4 و 6، تاريخ اليعقوبي 2: 162

79 ( 4) لا يفوتك أنّ المكتوب هنا إنّما هو خلاصة لمدخل الدراسة، و لو أحببتَ المزيد فراجع البحث التاريخي للدراسة( المدخل) من ص 115- 127

80 ( 1) و ذلك من خلال ادعائهم الرجوع إلى الغسل، و هذا مما يعني أنه كان ذاهباً إلى المسح

81 ( 2) عدّه العيني ضمن الماسحين، انظر عمدة القاري 2: 240

82 ( 3) عمدة القاري 2: 240

83 ( 1) كان عثمان يؤكد على هذا المعنى- وراويه في ذلك حمران/ طويدا اليهوديّ مولاه- ففي سنن الدارمي 1: 176 وسنن البيهقي 1: 53 و 56 و 58« من توضّأ نحو وضوئي هذا»، وفي البخاري 1: 51« من يتوضّأ نحو وضوئي هذا»، وفي سنن أبي داود 1: 106« من توضّأ مثل وضوئي هذا»، و في سنن الدارقطني 1: 83/ ح 14« رايت رسول اللَّه توضّأ نحو وضوئي هذا». فهو في كل ذلك يدعو الناس إلى وضوئه و يُشبّه وضوء النبي بوضوئه، و لا يُشبِّه وضوءَه بوضوء النبي صلى الله عليه و آله

84 ( 2) صحيح مسلم 1: 207/ ح 8

85 ( 1) المقاعد: قيل هي دكاكين عثمان. و قيل: درج. و قيل: موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس و الوضوء و نحو ذلك. فعثمان يقعد في الأماكن العامّة المزدحمة ليدعو إلى وضوئه الجديد

86 ( 2) سنن البيهقي 1: 62- 63

87 ( 3) سنن الدارقطني 1: 91/ ح 4

88 ( 4) سنن الدارقطني 1: 93/ ح 8

89 ( 1) صحيح مسلم 1: 206/ ح 6. و الآية في سورة البقرة الآية 159

90 ( 2) اى بماءٍ للوضوء

91 ( 3) كنز العمال 9: 424/ ح 26800

92 ( 4) كنز العمال 9: 436/ ح 26863

93 ( 1) كنز العمال 9: 442/ ح 26886( حم و البزار حل ع و صحح)

94 ( 2) سنن الدارقطني 1: 96

95 ( 3) كنز العمال 9: 443/ ح 26888( البغوي فيه، ص)

96 ( 1) و هو صحابي كان يسأل عن متشابه القرآن كالذاريات والمرسلات و النازعات، فضربه عمر حتّى أدمى رأسه، و ضُرب مائتي سوط، و حُمِل على قتب، و نفي إلى البصرة، و حُرم عطاؤه، و منع الناس من مجالسته، و صار وضيعاً بعد أن كان سيّداً. انظر: مسائل الإمام أحمد 1: 478/ ح 81، و الإصابة 2: 198- 199، و سنن الدارمي 1: 54 و 55، و نصب الراية 4: 118، و الدر المنثور 2: 7، و فتح القدير 1: 319، و تاريخ دمشق 23: 411

97 ( 2) انظر في ذلك تاريخ الطبري 4: 251، 284، 318، 398، الكامل في التاريخ 3: 87، 115، 137، 181، المنتظم 4: 360، البداية و النهاية 7: 173، 224، انساب الاشراف 5: 48، شرح النهج 3: 47، 49، 50، 54

98 ( 1) انظر أنساب الأشراف 5: 55

99 ( 2) انظر تفنيد الصحابة لدعاوى عثمان و ذرائعه التي تذرع بها في إتمام الصلاة بمنى، وقوله لهم في نهاية المطاف« هذا رأيٌ رأيته». انظر ذلك في أنساب الأشراف 5: 39، و تاريخ الطبري 4: 268

100 ( 1) انظر تفسير الطبري 7: 46

101 ( 1) انظر طبقات ابن سعد 7: 148، تهذيب الكمال 7: 303، تاريخ الاسلام للذهبي: 395، مختصر تاريخ دمشق 7: 253، وفيات الاعيان 4: 181، تاريخ بغداد 5: 332، تاريخ الطبري 3: 415، الأخبار الطوال: 112، معجم البلدان 5: 301، المعارف لابن قتيبة: 248

102 ( 2) نهج البلاغة 1: 35/ الخطبة 3

103 ( 1) سنن البيهقي 1: 62-/ 63

104 ( 2) سنن الدارقطني 1: 91/ ح 4

105 ( 3) سنن الدارقطني 1: 91/ 4، و 13/ 8

106 ( 4) انظر: مسند أحمد 4: 94

107 ( 5) مسند أحمد 4: 288. و فيه أن البراء قال لهم: اجتمعوا فلأريكم كيف كان رسول اللَّه يتوضّأ... فجمع بنيه و أهله و دعا بوضوء..

108 ( 6) كنز العمال 9: 41/ 26883 عن الدارقطني 1: 85/ 9، وانظر مسند أحمد 1: 57 و 1: 67-/ 68، وكنز العمال 9: 441/ 26883. و قد عرفت في الحديثين الواردين قبل قليل: الرقم( 3) و( 5) أنّ الذين شهدوا له هم أصحابه الباثّين لاجتهاداته لا أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله

109 ( 1) انظر: كنز العمال 9: 447/ 26907. و هذه الرواية رواها أبو النضر سالم بن أبي أمية، و هو لم يسمع عن عثمان و لكنّه كان يُرسِلُ، كما صرح بذلك ابن أبي حاتم و الهيثمي و الدارقطني.( انظر: تهذيب التهذيب 3: 432، ومجمع الزوائد 1: 229، و علل الدارقطني 3: 17). فيبدو أنّ هذا الرجل وضع هذا الحديث خدمةً لعثمان و الأمويين

110 ( 2) كنز العمال 9: 447/ ح 26907

111 ( 3) كنز العمال 9: 424/ ح 26800

112 ( 1) صحيح مسلم 1: 206/ ح 6. و الآية: 159 من سورة البقرة.

و مثل ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده 1: 67 بسنده عن حمران مولى عثمان، قال: كان عثمان يغتسل كل يوم مرّة منذ أسلم، فوضعت وضوءاً له ذات يوم للصلاة فلمّا توضّأ قال: إنّي أردتُ أن أحدّثكم بحديث سمعته من رسول اللَّه ثم بدا لي أن لا أحدّثكموه، فقال له الحكم بن أبي العاص: يا أميرالمؤمنين، إن كان خيراً فنأخذ به أو شرّاً فنتّقيه، قال: فقال: فإني محدّثكم به؛ توضّأ رسول اللَّه هذا الوضوء ثم قال: من توضّأ هذا الوضوء فأحسَنَ الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتمّ ركوعها و سجودها كفّرت عنه ما بينها و بين الصلاة الأخرى..

113 ( 2) انظر: كنز العمال 9: 436/ 26863

114 ( 1) انظر: كنز العمال 9: 442/ 26886( حم و البزار حل 4 و صحح). و مسند أحمد 1: 58 و 61

115 ( 2) انظر: كنز العمال 9: 439/ 26872( كر)

116 ( 3) فعن حمران، قال: كنت عند عثمان، فدعا بوضوء فتوضّأ، فلمّا فرغ قال: توضّأ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما توضّأتُ، ثمّ تبسَّم و قال: أتدرون مِمَّ ضحكتَ؟ قلنا: اللَّه و رسوله أعلم. قال: إن العبد المسلم... كنز العمال 9: 439/ ح 26872. و قد علمت أنّ عثمان اختلق هذا التبسّم و نسبه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليبرّر ضحكاته الوضوئية

117 ( 1) انظر في ذلك الفقه على المذاهب الاربعة للجزيرى 1: 57- 62 مثلًا

118 ( 2) سنن أبي داود 1: 33/ ح 135. وانظر: سنن البيهقي 1: 79 وسنن ابن ماجة 1: 146/ ح 422. وانظر تعليق السيوطي على هذا الحديث في هامش النسائي 1: 88

119 ( 3) صحيح البخاري 1: 51، سنن أبي داود 1: 106، سنن البيهقي 1: 48، سنن النسائي 1: 64 و 65، سنن الدار قطني 1: 83/ 14، صحيح مسلم 1: 205

120 ( 4) سنن النسائي 1: 65، سنن البيهقي 1: 48

121 ( 1) ففى سنن النسائى( المجتبى) 1. 65 و سنن البيهقى 1. 48 عن حمران انه انه راى عثمان توضا وضوء الجديد ثم قال رايت رسول الله( ص) توضا وضوئى هذا ثم قال( عثمان) من توضا مثل وضوئى هذا ثم قال فصلى ركعتين لا يحدث نفسه بشى ء غفرالله ما تقدم من ذنبه و انظر قول عثمان هذا فى سنن الدارمى 1. 176

122 ( 2) انظر: كنز العمال 9: 442/ 26887 و 26885 و 26888، و سنن الدارقطني 1: 92/ ح 5

123 ( 1) فقد وهب لطلحة خمسين الفاً كما في الطبري 4: 405، ووصله بمائتي الف وكثرت مواشيه و عبيده، وقد بلغت غلته من العراق وحدها الف دينار يومياً، ولمّا مات كانت تركته ثلاثين مليوناً من الدراهم، وكان النقد منها مليونين ومائتي الف درهم ومائتي الف دينار. وانظر في أموال الزبير وضخامتها كتاب: الفتنة الكبرى 1: 147

124 ( 2) كانت أموال ابن عوف الف بعير و مائه فرس و عشرة آلاف شاة و أرضاً كانت تزرع على عشرين ناضحاً. انظر: مروج الذهب 2: 333

125 ( 3) حيث قال له الإمام علي يوم السقيفة: واللَّه ما فعلتها إلّالأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما يعني عمر من صاحبه يعني أبابكر دق اللَّه بينكما عطر منشم، شرح نهج البلاغة 1: 188

126 ( 1) انظر تاريخ الطبري 4: 557، حيث قال في سبب الخلاف بين عثمان و أبي ذر الغفاري و موته غريباً بالربذة: فإنّهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة، و أموراً شنيعة كرهتُ ذكرها!!!

127 ( 2) انظر: الكامل في التاريخ 3: 167، حيث قال: قد ذكرنا سبب مسير الناس إلى قتل عثمان، و قد تركنا كثيراً من الأسباب التي جعلها الناس ذريعة إلى قتله لعلل دعت إلى ذلك!! ترى ماهي العلل التي كره ابن الأثير ذكرها؟

128 ( 3) الكامل في التاريخ 3: 167

129 ( 4) انظر: شرح نهج البلاغة 3: 8

130 ( 1) انظر كلام ابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 199- 200

131 ( 2) أنساب الاشراف 5: 39، المنتظم 5: 7-/ 8

132 ( 3) فتح الباري 2: 361، نيل الأوطار 3: 362، تاريخ الخلفاء: 164-/ 165

133 ( 4) انظر: أنساب الأشراف 5: 34، الإمامة والسياسة 1: 37، صحيح مسلم 3: 1331/ ح 38

134 ( 5) شرح النهج 3: 21 و 35، الكامل في التاريخ 3: 137-/ 141، تاريخ الطبري 4: 322-/ 323

135 ( 6) انظر: المعارف: 112، وأنساب الاشراف 5: 25، والإمامة والسياسة 1: 35

136 ( 1) أنساب الأشراف 5: 29

137 ( 2) الفتوح 1: 35

138 ( 3) شرح النهج 9: 36

139 ( 4) حلية الأولياء 1: 138، أنساب الاشراف 5: 36، شرح النهج 3: 42

140 ( 5) أنساب الاشراف 5: 36

141 ( 6) صفين: 319

142 ( 7) صفين: 338، شرح النهج 8: 22

143 ( 1) الامامة و السياسة 1: 48

144 ( 2) تاريخ الطبري 5: 43

145 ( 3) انساب الاشراف 5: 45، الامامة و السياسة 1: 38

146 ( 4) المختصر في أخبار البشر 1: 172

147 ( 5) شرح النهج 3: 9

148 ( 6) الفتوح 1: 64

149 ( 7) تاريخ الطبري 4: 230

150 ( 8) تاريخ الطبري/ حوادث سنة 34 ه

151 ( 1) أنساب الاشراف 5: 38

152 ( 2) في تاريخ الطبري 3: 440« فقالوا نفر من الأنصار: لا واللَّه لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً. فدفنوه في حش كوكب»

153 ( 3) قال الطبري في تاريخه 3: 438 هو حائط بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم

154 ( 4) تهذيب الكمال 19: 457. و في تاريخ المدينة لابن شبّة 1: 113« و حملوه على باب أسمعُ قرع رأسه على الباب كأنّه دبّاءة و يقول: دبْ دبْ»

155 ( 5) تهذيب الكمال 19: 457

156 ( 1) انظر: العقد الفريد 5: 90 عن أمّ سلمة

157 ( 2) عن حمران مولى عثمان انه قال: كان عثمان يغتسل كل يوم مرة منذ أن اسلم( مسند احمد 1: 76، خصائص الصحابة لاحمد 1: 466).

و قال ابن حزم في المحلى 2: 16: فقد ثبت بأصح اسناد أن عثمان كان يغتسل كل يوم، فيوم الجمعة يوم من الايام بلا شك.

و قد يستظهر من رواية مسلم 1: 207 ح 231 أنه كان يغتسل كل يوم خمس مرات حيث جاء في اول الخبر: قال حمران: كنت أضع لعثمان طهوره، فما اتى يوم إلا و هو يفيض عليه نطقه...

و فسروها بأنه كان يغتسل كل يوم، قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 3: 115« و مراده لم يكن يمر عليه يوم إلا اغتسل فيه، و كانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطهر» فلو كان معنى صدر الحديث الاغتسال فان ذيل الحديث يؤكد تطهره. و اغتساله خمس مرات لقوله صلى الله عليه و آله: ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب اللَّه عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارات بينها، إذ انهم و توحيداً لصدر الرواية مع ذيلها كان عليهم ان يقولوا باغتساله خمس مرات في اليوم لكنهم حملوا ذيل الخبر على الوضوء و صدره على الغسل

158 ( 1) سنن الدارقطني 1: 96، كنز العمال 9: 443/ ح 26888

159 ( 2) قال: ما مسستُ ذَكَري بيميني مذ بايعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله!! سنن ابن ماجة 1: 113، المحلى 2: 79، تاريخ دمشق 39: 225

160 ( 3) صحيح مسلم 1: 206/ ح 6

161 ( 1) انظر: تاريخ الطبري 3: 415 و 434، و البداية و النهاية 7: 198 و 200

162 ( 2) قال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصف حكومة عثمان: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيلة و معتلفة، و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللَّه خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، و أجهز عليه عمله... نهج البلاغة 1: 35/ الخطبة 3

163 ( 1) مرّ عليك أنّ الصحابة حينما ناقشوه في إبداعه إتمام الصلاة بمنى و سدّوا عليه أبواب الذرائع اكتفى بقوله لهم:« هذا رأي رأيته»

164 ( 2) قيل لعبداللَّه بن عمر بن الخطاب: عبتَ على عثمان صلاته أربعاً بمنى ثم صلَّيتَ أربعاً؟! قال: الخلافُ شرّ!!. سنن البيهقي 3: 144

165 ( 3) قيل لعبداللَّه بن مسعود: ألم تحدّثنا أنّ النبي صلى ركعتين، و أبابكر صلى ركعتين أي بمنى؟ فقال: بلى، و أنا أحدّثكموه الآن، و لكن عثمان كان إماماً فما أخالفه، و الخلاف شرّ. سنن البيهقي 3: 144

166 ( 1) انظر: فتح الباري لابن حجر 1: 213، المحلى لابن حزم 1- 2: 56/ المسألة 200، نيل الأوطار للشوكاني 1: 209، المغني لابن قدامة 1: 151/ المسألة 175، عمدة القاري للعيني 2: 21

167 ( 2) انظر: الطبري في تفسيره 6: 86 و الجصاص في احكامه 2: 346- 347 و ابن كثير في تفسيره 2: 45

168 ( 3) انظر: ما رواه عبد خير عنه في مسند الحميدي 1: 26/ ح 47 و مسند احمد 1: 95، 116، 124، 148 و مسند الدارمي 1: 181، و ما رواه النزال بن سيرة عنه في مسند ابى دواد الطياسي: 22/ ح 148 و غيرها

169 ( 4) مسند أحمد 1: 153، و انظر: مسند أحمد 1: 144، سنن البيهقي 1: 75

170 ( 5) مسند أحمد 1: 12. و لا يخفى عليك أنّ المقصود بالإحداث هو الإحداث في الدين؛ أي الإحداث في الوضوء النبوي

171 ( 1) الكافي 8: 59-/ 62

172 ( 2) انظر: أمالي المفيد المطبوع في جملة مصنفاته 13: 267، أمالي الطوسي: 29 بإسناد في ضمنه الثقفي صاحب الغارات، و قد حُرف النص المتقدم في كتاب الغارات المطبوع( 1: 251- 254) و قد بيناه في مدخل الدراسة. و مما يحب الاشاره إليه هو وجود نص يؤكد على تحريف معاوية للنصوص، مذكور في آخر النص الانف: في الغارات« ان معاوية كان ينظر في هذا الكتاب و يعجبه... فقال له الوليد: انه لا راى لك، فامن الراى أن يعلم الناس أن احاديث ابي تراب عندك تتعلم منها و تقضى بقضاءه؟ فعلام تقاتله؟...

فقال معاوية: لولا أن ابا تراب قتل عثمان ثم افتانا لاخذنا عنه ثم سكت هنيه ثم نظر الى جلسائه فقال: إنا لا نقول ان هذه من كتب على بن ابي طالب و لكنا نقول ان هذه من كتب ابي بكر الصديق كانت عنه ابنه محمد فنحن نقضي بها و نفتي»

و في شرح النهج 6: 73 و بحار الانوار: فلما بلغ على بن ابي طالب ان ذلك الكتاب صار الى معاوية اشتد عليه حزنا و تمثل باشعار..

173 ( 1) المصنف 1: 30/ ح 6

174 ( 2) سنن أبي داود 42: ح 164

175 ( 3) تأويل مختلف الحديث 1: 56

176 ( 1) السنن الكبرى، للبيهقي 1: 72، مسند أحمد 6: 358. و قال ابن عباس بسند صحيح على شرط البخاري: الوضوء غسلتان و مسحتان. انظره في مصنف عبدالرزاق 1: 19/ ح 55

177 ( 2) تفسير الطبري 6: 82، تفسير ابن كثير 2: 44، تفسير القرطبي 6: 92. و كان أنس بن مالك يقول: نزل القرآنُ بالمسح. انظر ذلك في تفسير ابن كثير 2: 44، و الدر المنثور 2: 262

178 ( 1) انظر: مسند أحمد 4: 94، فتح الباري 2: 457، نيل الاوطار 3: 259

179 ( 2) انظر: الدر المنثور 2: 137، و الموطأ 2: 538/ ح 34

180 ( 3) انظر فتح الباري 2: 215

181 ( 4) سنن النسائي( المجتبى) 5: 253، سنن البيهقي 5: 113

182 ( 1) انظر المحلى 7: 135-/ 136، فتح الباري 3: 419-/ 420

183 ( 2) ففي الإمامة و السياسة: 58 قول عبداللَّه بن عمر بن الخطاب لعثمان لمّا ألهب الثوار النار في باب عثمان: يا أميرالمؤمنين، مع من تأمرني أن أكون إن غَلَبَ هؤلاء القوم عليك؟ قال: عليك بلزوم الجماعة، قلت القائل ابن عمر: فإن كانت الجماعة هي التي تغلب عليك؟ قال: عليك بلزوم الجماعة حيث كانت.

و سار معاوية على هذا النهج، ففي تاريخ ابن خلدون 2: 170 إنّ عليّاً بعث رُسُلًا إلى معاوية فقال له أحدهم: فاتق اللَّه يا معاوية ودع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله، فأجابه معاوية و أقذع في سبه و قال: انصرفوا فليس بيني و بينكم إلّاالسيف...

و في مصنف ابن ابي شيبة 7: 251، و تاريخ دمشق 59: 150، و البداية والنهاية 8: 140، و مقاتل الطالبيين: 45، و شرح النهج 16: 46 قول معاوية في خطبته بالنُخيلة يوم الجمعة: إني و اللَّه ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكّوا- إنكم لتفعلون ذلك- و إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم.

و سار عبداللَّه بن عمر على هذه القاعدة، قال القاضي أبويعلى في الأحكام السلطانية: 7- 8« في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم و مع هذا قوم، تكون الجمعة مع مَن غلب، و احتجّ بأنّ ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحَرّة و هي التي انتهك فيها جيش يزيد مدينة الرسول و هتك الأعراض وقال: نحن مع مَن غلب. انتهى.

و قال ابن عمر: لا أقاتلُ في الفتنة، و أصلّي وراء مَن غلب. طبقات ابن سعد 4: 149

184 السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، لماذا الاختلاف في الوضوء و من هو وراء الكواليس، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

185 ( 1) صحيح مسلم 1: 213/ ح 25، الموطأ 1: 19/ ح 5، شرح معاني الآثار 1: 38/ ح 188

186 ( 2) لكونها قد قالت: يا عبدالرحمن أسبغِ الوضوء

187 ( 1) صحيح مسلم 1: 214-/ 215/ ح 29

188 ( 2) الحديث المُدْرَج هو ما كانت فيه زيادة ليست منه، و هو نوعان: إدراج في الإسناد، و إدراج في المتن... و إدراج المتن يكون في أول الحديث مثل حديث أبي هريرة« أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار»، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يقلهما معاً في آن واحد بهذا النسق، بل كلٌّ منهما له مورده الخاص، لكنّ أبا هريرة أدرج القسم الأوّل في الثاني. و لا يجوز تعمّد شي ء من الإدراج. انظر مقدمة ابن الصلاح: 76، و تدريب الراوي: 80، و أضواء على السنة المحمدية: 140

189 ( 3) يعني أن القرآن قالهما معاً

190 ( 4) المصنف لعبدالرزاق 1: 20/ ح 58

191 ( 1) سنن ابن ماجة 1: 156/ ح 458

192 ( 2) مسند الحميدي 1: 164، ومسند أحمد 6: 358

193 ( 1) ففي مصنف عبد الرزاق 1: 19/ ح 54 بإسناده عن ابن عباس، قال: افترض اللَّه غسلتين و مسحتين، ألا ترى أنّه ذكر التيمّم فجعل مكان الغسلتين مسحتين، و تَرَكَ المسحتين

194 ( 1) تفسير الطبري 6: 82. وانظر: تفسير ابن كثير 2: 44، الجامع لأحكام القرآن 6: 92، الدر المنثور 2: 262، تفسير الخازن 1: 435

195 ( 1) ستقف في الاصدار الثاني من هذه السلسله« وضوء عثمان بن عفان من النشأة الى الانتشار» على سبب ذلك

196 ( 2) انظر: تهذيب الكمال 9: 154. ففيه قول سعيد بن جبير: كان رجاء بن حيوة يُعَدّ من أفقه فقهاء الشام، و لكن إذا حرّكته وجدته شاميّاً أي أمويّاً يقول: قضى عبدالملك بن مروان بكذا و كذا

197 ( 3) انظر: تهذيب التهذيب 6: 422، تهذيب الكمال 18: 410، تاريخ بغداد 10: 389، المنتظم 6: 39. إذ قيل لعبداللَّه بن عمر: مَن نسأل بعدكم؟ قال: إنّ لمروان ابناً فقيهاً فَسَلُوهُ

198 ( 4) انظر: كتاب الأموال: 412، والشعر و الشعراء: 392

199 ( 5) المستدرك على الصحيحين 4: 14 و قائل هذا القول هو عطاء بن أبي رباح، الذي قطعت يده مع عبداللَّه بن الزبير، و قد أمر بنو أميّة صائحاً يصيح: لا يفتي الناس إلّاعطاء!! انظر: تهذيب التهذيب 7: 181

200 ( 1) انظر: مسند أحمد 5: 342

201 ( 1) انظر: مناقب أبي حنيفة للموفق الخوارزمي 1: 73، جامع أسانيد أبي حنيفة 1: 222. تذكرة الحفّاظ 1: 166. أسنى المطالب 55

202 ( 2) ترتيب المدارك 1: 192. و فيه أيضاً أنّ الموطّأ كُتب تحت ظل الدولة العباسية، حيث روى ابو مصعب: أنّ أبا جعفر المنصور قال لمالك: ضع للناس كتاباً أحملهم عليه... فوضع الموطّأ..

203 ( 3) الطبقات الكبرى 4: 147، و انظر: الإمام الصادق والمذاهب الاربعة 1: 504

204 ( 4) موقف الخلفاء العباسيين: 170

205 ( 1) رجال الكشي: 312/ الرقم 564. و عنه في وسائل الشيعة 1: 443/ ح 1172

206 ( 1) التهذيب 1: 82/ ح 214، الاستبصار 1: 71/ ح 219

207 ( 1) تاريخ الطبري 8: 876/ حوادث سنة 169 ه

208 ( 2) تاريخ بغداد 9: 292

209 ( 1) تاريخ بغداد 9: 292

210 ( 1) مقاتل الطالبيين: 310

211 ( 1) الارشاد 2: 227، مناقب ابن شهر آشوب 4: 288، الخرائج و الجرائح 1: 335، إعلام الورى: 293

212 ( 1) انظر تفصيل ذلك في كتابنا( منع تدوين ح، أسبابه و نتائجه)

213 ( 2) تاريخ الطبرى 2: 586، البداية والنهاية 7: 146، سبل الهدى والرشاد 11: 278

214 ( 3) المصدر نفسه

215 ( 1) راجع اخبار الشورى في تاريخ الطبري و غيره

216 ( 1) ففي الكافي 8: 58/ ح 21 بسنده عن سليم بن قيس في حديث طويل فيه: انّ علياً عليه السلام أقبل بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصته و شيعته، فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لتفرّق عنّي جُندي... أرايتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة... و اللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّافي فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل أي صلاة التراويح بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غُيّرت سنة عمر!!... ما لقيتُ من هذه الأمة من الفُرقة و طاعة أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار

217 ( 2) في مختصر تاريخ دمشق 17: 101 عن عبد الرحمن بن عوف، قال: ما مات عمر بن الخطّاب حتّى بعث إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فجمعهم من الآفاق: عبداللَّه بن مسعود، و حذيفة بن اليمان، و أبو الدرداء، و أبو ذر الغفاري، و عقبة بن عامر ابو مسعود الأنصاري، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول اللَّه في الآفاق؟! قالوا: تنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا واللَّه لا تفارقوني ما عِشتُ، فنحنُ اعلم نأخذ منكم و نردّ عليكم، فما فارقوه حتى مات.

و في شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي: 20 بَعَثَ عمر بن الخطّاب إلى عبداللَّه بن مسعود، و إلى أبي الدرداء، و إلى أبي مسعود الأنصاري، فقال لهم: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول اللَّه؟! فحبسهم بالمدينة

218 ( 1) أسد الغابة، لابن الأثير 2: 472 في ترجمة سهل بن سعد الساعدي

219 ( 2) كتاب المحن: 428- 429 كما في الفكر الأصولي لعبد المجيد الصغير

220 ( 1) انظر منع تدوين الحديث، لنا: 256- 262

221 ( 2) مرّ عليك ذلك منقولًا عن مسند أحمد 1: 366

222 ( 1) انظر ذلك في الغارات للثقفي 1: 251- 254، وشرح نهج البلاغة 6: 73

223 السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، لماذا الاختلاف في الوضوء و من هو وراء الكواليس، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..


1- السيد علي الشهرستاني تلخيص: الشيخ قيس العطار، لماذا الاختلاف في الوضوء و من هو وراء الكواليس، 1جلد، نشر مشعر - تهران، چاپ: 1، 1426 ه. ق..

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.